’حزب الله للبنان’ و’مكافحة الفساد في السعودية’: أكذوبتان ماذا وراءهما؟

متابعات | 18 نوفمبر | مأرب برس :

بقلم / لؤي توفيق حسن :

إنها لنكتة ما زعمه عادل الجبيري من أن “حزب الله اختطف النظام في لبنان”، لا يقلّ عنها طرافة الحديث عن لجنة لمكافحة الفساد في السعودية! أما الأمر المضحك في اختطاف حزب الله للبنان فهو كمن يريد إقناعنا بأن جملًا قد مرّ من خرم إبرة، إذ كيف بوسع وزير للصناعة وآخر للدولة، الممثلان الوحيدان لحزب الله في مجلس الوزراء، اختطافه وفيه 13 وزيرًا مناوئًا للحزب بل وحلفاء للسعودية بينهم الرئيس ووزير سيادي.

كذلك الحال مع 13 نائبًا من كتلة “الوفاء للمقاومة” في مجلس نيابي أكثرمن نصفه حلفاء للسعودية (69 نائبًا) والباقون بعضهم حريص على عدم إغضاب السعودية، فيما كلّ مفاصل الأقتصاد وبيوت المال والعديد من المؤسسات والهيئات والوزارات الفعالة بين سيادية وخدماتية هي بيد حلفاء الرياض، فضلًا عن التزام الجيش اللبناني بقرارات القيادة السياسية ممثلّة في الحكومة بحصر عتاده الحربي بالأسلحة الغربية والأمريكية بشكل خاص دون غيرهم، هذا مع العلم بأن إيران عندما عرضت تزويده بأسلحة نوعية على شكل هبات هي أكثر تطورًا مما يقدم للبنان من الغرب، كذلك الحال مع روسيا!

تُرى من يسيطر على من والحال هذا؟ على أيّة حال احتجاز رئيس حكومة لبنان بهذا التعرّض للكرامة والسيادة، والضغط عليه لابتزازه سياسيًا يُعفينا من طرح المزيد.

أما المفارقة في مكافحة الفساد فتأتي على لسان أحد المعارضين السعودين بقوله: “كبير الفاسدين يحارب الفاسدين”. ولا جديد حتى الآن، فرائحة فساد العائلة المالكة وشركائها من رجال الأعمال تزكم الأنوف وتتردد أصداؤها داخل المجالس في السعودية، وهنا يقول عدنان خاشقجي أحد أبناء النظام من المنشقين الجدد “لا يُسأل في السعودية من الفاسد بل من هو غير الفاسد”.
ربما الجديد وغير المألوف هذا التسونامي الذي يعتبر خروجًا عن قواعد اللعبة وبالتحديد في تعامل المافيا فيما بينها لا سيما في قضايا المال، حيث كان القادم للعرش يسلم بنصيب سابقه بما نهب، متحضرًا لفرصته في النهب.

لكن لمحمد بن سلمان أسلوب آخر، يبدو وكأنه قد قرأ قصة ” الكابتن مورغان” وتأثر بها، وهو قرصان كان يراقب القراصنة وهم يسطون على السفن التجارية، فما إن يعودوا إلى خلجانهم، محملةً سفنهم بالمسروقات حتى ينقض عليهم بأسطوله فلا يُترك لهم إلّا ما يسد الرمق، بداعي أنها عقاب على لصوصيتهم!.

“مكافحة الفسـاد”

قديما قال العرب في أمثالهم “لسوء النية أسنان مخفية”، لكن  في حالة محمد بن سلمان جاء سوء التقدير والشهية المفتوحة للمال والسلطة لتكشف الأسنان المخفية منذ اليوم الأول، وهذا بعد أن اتضح بان البدء بالاعتقالات جرت قبل صدور الأمر الملكي بتشكيل “هيئة مكافحة الفساد”. وعليه فقد بات من الواضح أن هذا الصخب المغلف بعنوان عريض: “مكافحة الفساد” ليس أكثر من ورقة “سولفان” ناعمة لماعة لخداع السعودين ولاسيما الشباب منهم المتطلّع لتكافؤ في الفرص ولحياة عامة نظيفة، فيما يبدو واضحًا بان الحركة مقصود منها تحقيق أمرين:

الأول: الإمساك بمفاصل السلطة وإزالة المنافسين والممتنعين عن البيعة،
الثاني: وضع اليد على أكبر قدر من ثروة العائلة المالكة والتي هي في أقل تقدير تتجاوز تريليون دولار ـ (الف مليار) ـ  سيولة نقدية، هذا غير الموجودات الثابتة من قصور وأبنية وأراضٍ في امريكا وأوروبا وبعض لبلدان العربية.

معظم ماسبق يتمركز بيد أشخاص معدودين، هؤلاء جمعوا اموالهم من خزينة الدولة بالاحتيال او بتبيض الأموال، وأحيانًا بمشاريع وهمية صُرٍفت أموالها ولم تُنفَّذ في الواقع.

وقد أشار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنه لو تمكن محمد بن سلمان من تجميد أموال الموقوفين فسيضع يده على ثروة تصل إلى 880 مليار دولار، معظمها موجودة في بنوك أجنبية بحسب الصحيفة. وهنا المفتاح :”بيوت المال الأجنبية” وهي بمعظمها تحت سيطرة صهيونية وغير بعيدة عن لعبة القرصنة على طريقة “الكابتن مورغان ” الأنفة الذكر. هذا يذكرنا بتهريب ونهب الاحتلال الأمريكي لثروات العراق في البنوك، غير أننا الآن أمام صيغة أخرى ذات طابع ابتزازي.
ابن سلمان يبتزّ أصحاب الملايين ممّن اعتقل، وأمريكا تبتزه بالخطر الإيراني؛ وهنا يبرز دور جيرار كوشنر صهر الرئيس ترامب ومستشاره، وصديق ابن سلمان ليلعب دور السمسار في صفقة مالية سياسية بين “اسرائيل” والسعودية يتم فيها ضخ أموال إلى “اسرائيل” في استثمارات تتولّاها الصناديق السعودية التي هي بإمرة ولي العهد، مقابل أن تقوم بيوت المال خارج المملكة بالتسهيل في تجميد حسابات الموقوفين بما يسهل معه ابتزازهم!.

أما الشق السياسي من الصفقة فبات معروفا فيما يجري الحديث عنه من تطبيع مع “اسرائيل”، أو بالأحرى إشهار لهذا التطبيع، تمهيدًا لتحالف استراتيجي بين دول الخليج و”اسرائيل” في مواجهة ايران. وعلى الرغم من انتفاء مصلحة “اسرائيل” في محاربة إيران أو حزب الله بالنظر لموازين القوى، فإن هذا التحالف سينقلها إلى آفاق جديدة بوصفها حاجة سياسية وعسكرية لأمن دول المنطقة ومنها إلى الشراكة الاقتصادية، وسيدفن باعتقادها “القضية الفلسطينية” إلى غير رجعة.

كما أن ابن سلمان ليست لديه القدرة على خوض مغامرة الصدام مع ايران. وعليه فقد باتت الساحة اللبنانية هي المتنفس لهذا الصدام المتعسر عسكريًا، وذلك بإثارة أزمات سياسية و بالتواتر أقتصادية، سيبدو حزب الله هو المتسبّب فيها بتأثير الميديا الخليجية والغربية التي تملأ الفضاءات، الأمر الذي سيتطوّر إلى نكد أمني تحت عناوين طائفية.

هذا النوع من المشاغبة هو المتاح للسعودية حاليًا ومستقبلًا، آملةً منه أن تحجز لنفسها مكانًا في تسوية ما تعوّضها ما انسكب من ماء وجهها في سوريا واليمن، وفي العراق من قبل.

احتجاز الرئيس الحريري

ربطًا بما سبق، يبرز السؤال لماذا جرى ما جرى للرئيس الحريري في السعودية وهو حليفها؟ وهو الرجل الذي احتضنته وأهلته ليكون زعيما للسنة وقطبا سياسيا كبيرًا.

الإجابة عند محمد بن سلمان القادم إلى السلطة بمفردات مختلفة يسطرها الهوس والاستعجال! فكيف وهو الذي منذ الأساس لم تجمعه مع الحريري روابط الكيمياء الانسانية كما يتردد في أجواء العارفين، ويقال إن الحريري يبادله المشاعر ولاسيّما بعد ان ساهم سلمان وابنه في إفلاس “سعودي اوجيه ” وانتقال اعمالها لشركة “النسمة” التي يملكها ولي العهد. أضف إلى ذلك أطراف لبنانية بين طامحة او مرتبطة بجهات خارجية زيّنت لابن سلمان استبعاد الحريري بوصفه” شخصية غير مواجهة”.

واستطرادًا، فإن المطلعين يعلمون بأن طرح شقيقه بهاء مسألة جدية بالنظر للفعل النفسي الجاذب لكل من ينتسب لرفيق الحريري في الشارع السني. لكن العارفين يطرحون جانبًا آخر لعلّه القطبة المخفية التي عليها نسجت السعودية شكوكها حول شخص الحريري، وهو أن الرجل وبعد محاربة شركته “سعودي أوجيه” حتى إفلاسها وإغلاق المصدر الذي كان يدر عليه المال أخذ يخطط  لمسارٍ استقلالي خارج العباءة السعودية، بدأ ذلك بحذر في تموز/ يوليو المنصرم عندما طلب مقابلة ترامب من خارج الأقنية السعودية، ما اعتبره ابن سلمان تخطيًا له وخصوصًا أن الرجل بحسب تقارير صحفية  طلب من ترامب “تحييد لبنان عن أية مواجهة إقليمية مع إيران، وأن الحرب على حزب الله ومحاصرة بيئته غير مجدية، ومن شأن أي استهداف من هذا الشأن أن يفجّر الحكومة والاستقرار”. ثم عاد وكرر الكلام ذاته امام رئيس مجلس النواب الأمريكي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية.

وفي منحى آخر، جاءت زيارته إلى موسكو طالبًا ترسيخ دور لها في تثبيت استقرار لبنان، ووساطتها مع سوريا كي يساهم لبنان في إعادة إعمارها، أو بمعنى آخر إتاحة فرصة للحريري للعودة إلى دمشق من باب الأعمال، وقيل إن بوتين وعد بإقناع السوريين بذلك، الأمر الذي اعتبرته القيادة السعودية بداية غير طيبة للتفلت من عباءتها. ولاشك هنا أن انعقاد الآمال على سوريا بات ممكنًا بما يعدّ من ثروات نفطية ستجعلها في مصاف الدول النفطية الكبيرة، فضلًا عما يعد لبنان من ثروت الغاز والذي تسعى السعودية لعرقلته.

وعليه فإن سعي الحريري لنوع من الاستقلالية المالية، جعل القيادة السعودية تخرج عن طورها، وهذا يؤكد من جديد الانتقال إلى خيار بهاء. لكن ذلك يبدو غير ممكنًا بعد هذه الانتفاضة للشارع اللبناني والسني بالأخص، استنكارًا لحجز الرئيس سعد الحريري، وتوافر مواقف متماسكة من فريقه رافضة “لنظرية القطيع” التي تتعامل بها الرياض مع حلفائها اللبنانيين.
كل هذا سيصعب على السعودية المهمة وسيحوّلها هي إلى الأسر، اللهمّ إلّا إذا توفّر للحريري الاستعداد للوقوف والتمرّد على ” نظرية القطيع”، وإلّا فالاستقالة أوالاعتزال، أي الهزيمة المجلجلة! .

المصدر : العهد الأخباري .

مقالات ذات صلة