الصهاينة والعرب.. نهاية حقبة العداوة والمقاطعة

تقارير | 24 نوفمبر | مأرب برس :

منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، انقسم العرب بين دول سميت “معتدلة”، تلتزم خطا غير معاد لدولة إسرائيل، ودول تظهر العداء للدولة العبرية.

ومع نهاية حقبة الحروب بين العرب والصهاينة عقب حرب أكتوبر 1973، مع تحول مصر إلى الاعتدال في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، اتضح ذلك الانقسام بصورة أكبر، إذ صارت بعض الدول مرتبطة بمعاهدات مع إسرائيل أفضت إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها تحت لافتة “الضرورة”.

هذه الضرورة جرّت دولا أخرى إلى جانب مصر والأردن، كالمملكة المغربية ودول الخليج في مقدمها قطر والسعودية.

وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وهو النظام الذي استهدف تل أبيب بالصواريخ، كانت الدولة السورية تلتزم موقفا سمي “حالة اللاحرب واللا سلم” مع إسرائيل، لكنها بتوجهها القومي العروبي، وعلاقاتها المتميزة مع طهران، وتصميمها على بلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، كانت تمثل الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني؛ ما دفع لاستثمار الفوضى الخلاقة لهدم نظام حزب البعث العربي من الداخل، عبر شعارات طائفية وشعار حقوق الأقليات القومية.

تقريبا، فشل المخطط الذي استهدف دمشق، برغم الخسائر البشرية الكبيرة: قتلى وجرحى، ومشردين، وملايين اللاجئين في شتى بقاع الأرض، وهجرة الكفاءات، إضافة إلى هدم البنية التحتية، وتدمير دعائم الاقتصاد السوري، وتمزيق النسيج الاجتماعي.

الأنظار الآن تتجه إلى لبنان، حيث توجد قلعة أخرى من قلاع المقاومة ساهمت بشكل كبير في إفشال المخطط الذي استهدف سورية، وهو حزب الله.

حسب المعطيات السياسية في المنطقة والسياسة الأميركية إزاءها، يبدو أن العلاقات العربية الصهيونية ستدخل مرحلة جديدة، عنوانها نهاية حقبة المقاطعة.
هذه المقاطعة ليست حقيقية مائة بالمائة مع وجود علاقات سرية ذات طابع تجاري كما هو الحال مع قطر والإمارات، أو ذات طابع اجتماعي تاريخي كالنموذج المغربي الذي يقوم على الروابط بين يهود المغرب وبلدهم الأصلي وبلد المهجر “إسرائيل”.

مقدمة قاطرة التطبيع الجديدة هي المملكة السعودية، وهذه المرة بإلحاح ضرورات عدة، حسب الخطاب السعودي الرسمي:
ضرورة مواجهة إيران وأذرعها في المنطقة العربية: (حزب الله اللبناني، حركة أنصار الله في اليمن، والنظام السوري، ثم الحكومة العراقية).
يصور المسؤولون السعوديون الأمر على أنه قضية وجودية تستحق تقديم تنازلات لواشنطن، أهمها التنسيق مع تل أبيب.
لأجل هذا الهدف، يتم الترويج عبر مشائخ الدين ومواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام، لفكرة مفادها أن الخطر الإيراني لا يقارن بالخطر الإسرائيلي، على أساس أن لإيران أطماع في المنطقة العربية، وحلفاء يحيطون بالسعودية من كل جانب، بعضهم داخل المملكة، كالشيعة في المنطقة الشرقية ونجران، إضافة إلى الشيعة في البحرين والكويت والعراق ومن سبق ذكرهم ممن تصنفهم الرياض وواشنطن وتل أبيب معا “أيادي إيران”.

في الفترة الأخيرة، برزت مؤشرات تدل على توجه الرياض من المقاطعة الصورية لإسرائيل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وليس مجرد التطبيع. تحالف سيتم ربط خيوطه بمصالح مشتركة أهمها مواجهة إيران. حتى من دون وجود علاقات دبلوماسية.

التعاون العسكري هو حجر الزاوية، وقد تم التنسيق لخروجه إلى العلن، من خلال اجتماعات مشتركة برعاية أميركية، كالاجتماع الذي ضم رؤساء أركان الجيش في كل من السعودية، الأردن، مصر، الإمارات مع نظيرهم الإسرائيلي، وبحضور رئيس هيئة الأركان الأمريكية.

ليس التعاون العسكري، مجرد تلويح بالقوة لتهديد إيران وحزب الله وحركة أنصار الله في اليمن، وإنما يمثل خطوة عملية لإنشاء تحالف جديد في المنطقة بين الأطراف المذكورة، وربما تنضم إليها أطراف أخرى.

يروج الآن لهذا التحالف على أنه تحالف إقليمي، تمثل إسرائيل جزءا منه فقط، وهو يخدم المصالح العربية لا مصلحة إسرائيل.

في خطوة هي الأولى من نوعها، أجرت وسيلة إعلام سعودية، الخميس، لقاء مع رئيس الأركان الإسرائيلي غادي ايزنكوت، أبدى استعداد بلاده “لتبادل المعلومات الاستخبارية” مع السعودية “لمواجهة إيران”.

ايزنكوت قال في مقابلة مع موقع “ايلاف” الإخباري السعودي الذي يتخذ من لندن مقرا: “نحن مستعدون لتبادل الخبرات مع الدول العربية المعتدلة وتبادل المعلومات الاستخبارية لمواجهة ايران”.

وردا على سؤال حول ما إذا حصلت مشاركة معلومات مع السعودية في الفترة الأخيرة، قال “نحن مستعدون للمشاركة في المعلومات اذا اقتضى الامر. هناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا”.
ونفى رئيس الاركان الاسرائيلي نية اسرائيل القيام بهجوم على حزب الله في لبنان، وقال: “لا توجد لدينا اي نية للمبادرة بهجوم على حزب الله في لبنان والوصول الى حرب”. إلا أنه أضاف: “لن نقبل ان يكون هناك تهديد استراتيجي على إسرائيل”.

وتابع “أنا سعيد جدا للهدوء على جانبي الحدود، الأمر الذي استمر طيلة 11 سنة. ونرى من الجانب الآخر محاولات إيرانية قد تؤدي للتصعيد ولكنني أستبعد ذلك في هذه المرحلة”.

في السياق ذاته، أكد مسؤول في الجيش الإسرائيلي لوكالة فرانس برس مضمون المقابلة، مشيرا إلى انها الأولى من نوعها لرئيس أركان خلال وجوده في سدة المسؤولية لوسيلة إعلامية عربية.

وتأتي هذه التصريحات وسط توتر وتصعيد في المنطقة بين السعودية وإيران حول ملفات عدة، ما يؤكد اتهامات طهران للرياض بالتقرب من إسرائيل والتحالف معها.

التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات، عادة لا يتم إلا في زمن الحرب والأزمات؛ ما يشير إلى أن التحالف الذي يتوقع أن يعلن عنه رسميا في المستقبل القريب، الغرض منه إشعال حرب إقليمية جديدة، ربما تحدث بشكل حاسم وسريع على غرار حرب الخامس من حزيران 1967، وربما تستهدف حزب الله فقط، وتأجيل مواجهة إيران لمرحلة قادمة بعد استنفاد كل الوسائل السياسية والاقتصادية لعزلها وإضعافها.
وكل هذا يدل على نهاية حقبة العداوة والمقاطعة بين العرب والصهاينة، على الأقل بالنسبة لمنطقة الخليج.

المصدر : الميدان .

مقالات ذات صلة