ماهي منطلقات “ترامب” للاقرار “بالقدس″ عاصمة “للكيان” ومامدى واقعيتها؟وماهي طبيعة هذا الاقرار واهمية ردود الافعال عليه؟ وما الذي يحمله الاقرار من ايجابيات؟

مقالات | 12 ديسمبر | مأرب برس :

بقلم / عبدالوهاب الشرفي :

استعرض الرئيس الامريكي في خطابه الذي اعلن فيه اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني منطلقاته لاقراره بهذا القرار ، فالرجل تحدث اولا عن انه يعترف بواقع فالقدس عمليا غربييها وشرقييها يسيطر عليها ويديرها الكيان الصهيوني بشكل كامل منذ مابعد 67 م وبالتالي فما قام به ترامب هو فقط الاعتراف بهذا الواقع متناسيا انه وفقا للقرارات الدولية فالجزء الشرقي من المدينة يعتبر محتلا وبالتالي فاعترافه بالواقع هو الاعتراف بحالة احتلاله وليست حالة غير موصفة قائمة على الواقع وتم الاعتراف بها وتوصيفها على واقعها ، بل الواقع حسب ”  القرارات الدولية ” هو ان شرق القدس – على الاقل – ارض محتلة واقرار ترامب بها عاصمة للكيان الصهيوني هو قلب للواقع وليس اعترافا به .

 

ثاني المنطلقات التي تحدث ترامب عنها هو ان الكيان الصهيوني هو نظام ديمقراطي او هو النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة من وجهة نظر امريكية وهذا الكلام اراد ترامب منه ان يقول ان الكيان الصهيوني هو النظام الوحيد المؤهل لان يدير المدينة بما لها من قدسية لدى جميع الديانات الاسلامية و المسيحية و اليهودية وتحتاج نظام ديمقراطي لاينطلق في تطبيقه للقانون من منطلقات دينية او عقائديه يترتب عليها محابة ديانة و معاداة الديانات المخالفة ، و ترامب هنا يتناسى ان الكيان الصهيوني يضع احد معاييره للمضي في استكمال مايسمى عملية السلام الاعتراف ” بيهودية ” الكيان الصهيوني ، ومتناسيا كل الممارسات الصهيونية ضد المقدسات الاسلامية و المسيحية وكل ماهو اسلامي ومسيحي او عربي من المعالم الحضارية و السكان ، ومتناسيا لكل التشريعات التي تمرر من ” الكنيست ” بمزاج عنصري بحت يتصادم مع قواعد الديمقراطيات ومع القوانيين الدولية و الانسانية .

 

ثالث هذه المنطلقات هو ان اقرار ترامب هذا يتماشى مع المصالح الامريكية وبالطبع هذه المسألة هي ذات علاقة بمفهوم الادارة الامريكية للامن القومي الامريكي وهذه المرة مع شخص ترامب   كونه رئيس  يتبنى اكثر مفاهيم الامن القومي الامريكي  تطرفا ويعتبر امن الكيان الصهيوني جزء ذي اولوية لايتجزئ عن الامن القومي الامريكي ، لكن اذا استثنينا هذا المفهوم الاكثر تطرفا للامن القومي الامريكي فلا تماشي على الاطلاق بين اقرار ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني بقرار امريكي منفرد –  وليس نتيجة لتسوية سياسية الولايات المتحدة اهم رعاتها – وبين مصالح الولايات المتحدة سواء من ناحية صورتها و دورها في الامن والسلم الدولين فقد ظهرت كدولة تنتهك القانون الدولي و تقفز على مقررات دولية و تنفرد بالتقرير في شأن يتعاطى معه ويرعاه كثير من دول العالم ، كما انها تضرب دورها كوسيط في ما يسمى بعملية السلام فقد انحازت انحيازا كاملا وفي اخطر نقاط الخلاف بين طرفي الملف الفلسطيني ( السلطة الفلسطينية – الكيان الصهيوني ) ولم تعد مؤهلة لا شكلا ولا مضمونا كوسيط بل ان هذا الاقرار يمثل حكم بالاعدام على ما يسمى بعملية السلام برمتها  ، اضف الى ذلك انها بهذا الاقرار تزيد من الكراهية للولايات المتحدة لدى مليارات البشر من المجتمعات الاسلامية و حتى بعض المسيحية فالاعتراف بتسليم مقدسات للمسلمين و للمسيحيين للكيان الصهيوني امر حساس وماس بالمشاعر لهذه المليارات من البشر ، وهذا غير ما سيترتب على مثل هذا الاقرار من تنامي للجماعات الارهابية ، وكذا زيادة تعريض امن الولايات المتحدة و امن الدول الغربية لمخاطر امنية غير محدودة ولا محددة نتيجة لما سيمثله هذا الاقرار  من مبرر للعديد من ردود الافعال الغاضبة  و التهديدات للامن والاستقرار في العديد من الدول و للامن والسلم الدوليين كذلك  .

 

كان نقل السفارة الامريكية الى القدس هو احد وعود ترامب اثناء حملته الانتخابية لكنه تراجع عنه بعد توليه الرئاسة الامريكية لتقدير الادارة الامريكية ان الوقت غير مناسب ، لكنه في ظرف زمني معين اعلن اقرار بالقانون الذي جانبت ادارات امريكية سابقة الاقرار به واعترفت بذلك الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، ولاشك ان اهم معالم هذا الظرف الزمني الذي اعلن ترامب فيه اقراره هو الفرصة و الحاجة ، فالفرصة هي الحالة التي تعيشها المجتمعات العربية فلم يكن الواقع العربي و الاسلامي اكثر ضعفا و تفككا وصراعا من الظرف الحاصل ، كما لم تكن بعض الادارات السياسية للدول العربية و الاسلامية انصياعا بل تنسيقا مع ” صهاينة الادارة الامريكية ” والصهاينة ككل كما هي اليوم ولم تكن باقي الادارت مسلوبة وعاجزة عن اتخاذ قرارات في مستوى هذه الخطوة وردا عليها كماهي اليوم ، وكون ما اقره ترامب هو قانون كان قد صدر عن  الكونجرس الامريكي  في 1995م وما منع اقرار الادارات السابقة به هو توقّعها لردود الافعال عليه من قبل العرب و المسلمين لكن هذا المانع  حاليا كما يقدره ترامب و” صهاينة الولايات المتحدة ” هو في ادنى مستوياته و هي فرصه يجب استغلالها .

 

تصاعدت مظاهر الازمة الداخلية الامريكية التي عنوانها التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الامريكية وايصال ترامب لكرسي البيت الابيض ووصلت الى محيط ترامب بشكل مباشر و ابتلعت التقصيات و التحقيقات العديد من المسئولين عن حملة ترامب و مستشاريه وصولا لاهم شخص مؤثر في قرارات ترامب وهو مستشاره و صهره – كوشنر – وهو احد اهم ” الشخصيات الصهيونية الامريكية ” ووصلت التحقيقات لنقطة حرجه للغاية قد يترتب عليها الاطاحة بترامب من كرسي الرئاسة وبالتالي قامت هنا حاجة لمجاوزة هذه النقطة الحرجة بسلام وهو ما سيجعل من اقرار ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني احد الحلول لمجاوزة هذه النقطة الحرجة ، فبالنظر للنفوذ ” للوبي الصهيوني ” في الولايات المتحدة الامريكية وتاثيره على الادارة و السياسة و الاعلام فلا مانع ان تتم صفقة بين الطرفين يتخذ بموجبها ترامب احد اهم القرارات التي تسعى لها الصهيونية وهو الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني بمقابل ان يقوم اللوبي الصهيوني بدور في دفن ملف التدخل الروسي لصالح ترامب في الانتخابات الامريكية او عدم السماح بمجاوزته للنقطة الحرجة هذه على الاقل . وهذه هي الحاجة التي كانت احد المؤثرات على ترامب للاقدام على هذه الخطوة التي تجنبها قبله اكثر من رئيس امريكي .

 

اقرار ترامب هو امر متعلق بموقف الولايات المتحدة من ملف القدس وليس قرارا دوليا وبالتالي فالمواقف التي يجب او يفترض ان تتم تجاهه هي المواقف التي تاخذ هذا التفصيل في الاعتبار – والحديث هنا عن الردود الرسمية – والمساحة المتاحة للرد عليه هو ما بين الغاء الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني اعترافها به و بين عدم التعامل مع اي دور امريكي باتجاه عملية السلام و كذا الى تجميد العلاقات المتبادلة مع الولايات المتحدة و وصولا لاصدار قوانين تقر بالقدس عاصمة فلسطين  لكن هذا الامر يبدو صعب المنال لفهمنا بالحالة التي تعيشها الدول العربية و الاسلامية والتي اول مظاهرها اجتماع عربي بعد الاعلان بثلاثة ايام و على مستوى وزراء الخارجية !! واغلب المواقف ستدور حول الشجب و الادانة و الرفض ودعوات التراجع عن القرار و الرفع الى مجلس الامن ان حصل .

 

فهم هذا التفصيل ان القرار هو موقف دولة مهم في فهم اهمية كل تحرك غير رسمي شعبي ومنظماتي و حقوقي وغيره ، فبما ان القرار قرار دولة فقوته واثره متعلق بهيمنة هذه الدولية واثرها في الملفات الدولية وعلى سياسات الدول وبالطبع الولايات المتحدة هي صاحبة اكبر نفوذ دولي حاليا وبالتالي مع ان القرار ليس قرار دوليا ولايقر حقا للكيان الصهيوني الا انه يمكن البناء عليه وجر العديد من الدول للحاق بالولايات المتحدة والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، وبالتالي فالتحرك غير الرسمي يجب ان يكون في اعلى صوره و ان يتم العمل على كسبه صفة الاستدامة كي يمثل حاجز يمنع جر دول اخرى لمثل هذا القرار اعتمادا على هيمنة ونفوذ الولايات المتحدة التي بدءت بالاقدام عليه .

 

يرى البعض هذا القرار بصورة سوداوية لكن يجب التنبه لانه يحمل قدر كبير من الايجابية لصالح القضية الفلسطينية ومن تلك الايجابيات اولا  انكشاف الموقف الامريكي اللاعب الاهم في الملف الفلسطيني على حقيقته فقد ضل الموقف الامريكي  يراوغ على مدى عقود بصورة تمييع القضايا لتمرير مصالح الصهيونية و  اعاقة اي خطوة باتجاه صالح ” السلطة الفلسطينية ” والحق الفلسطيني ككل بذريعة الحفاظ على استمرار مايسمى بعملية السلام ، وثاني هذه الايجابيات ان هذا الاقرار سيمكن الكثير من رسم صور حقيقية تجاه العديد من المواقف و الادارات و القوى ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية فردود الافعال عليه ستكشف من هو متماهي مع الكيان الصهيوني ومن هو مع الحق الفلسطيني و العربي و الاسلامي بادنى مستوياته – اي الحق المقرر تبعا لعملية السلام – اما ثالث هذه الايجابيات فهو اتاحة الفرصة لتخلق علاقات جديدة او تمتين علاقات قائمة كالعلاقة بين فتح وحماس و العلاقة بين الحكومات المتمسكة  بالحق العربي و الاسلامي عربيا واقليميا ، ورابع هذه الايجابيات هو حالة الصدمة التي تسبب بها هذا القرار وسينقل القضية الفلسطينية الى مستوى اهتمام متقدم كانت قد تراجعت عنه كثيرا في السنوات الاخيرة  .

 

كما من الايجابات ان القرار بطبيعته الحساسة و مجيئه بعد خطوة حساسة ايضا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع مع الكيان  هي اتفاق تيران وصنافير سيمثل ومضة قوية بطبيعة الاحداث التي تدور في المنطقة من صراعات داخل الدول وبينها وصناعة عداوات بديله تشغل القدرات العربية و الاسلامية عن العدو الاول والحقيقي المحتل و المغتصب وانها احداث مصنوعة بمنهجية  لتحقيق خطوات لصالح العدو الصهيوني  لم تكن لتمرر لولا هذه الحالة التي نعيشها كعرب ومسلمين ، وكذا التنبية بان العدو يعمل محوريا ومركز تركيزا كبيرا على استكمال احتلاله وتوطين كيانه والعرب والمسلمون في انشغال ببعضهم واصبح من  المُلحّ الان ان يتم التوجه لتغيير واقعنا الى الافضل لمواجهة هذه الخطوات الغادرة قبل ان يستكمل الصهاينة و كيانهم طموحاتهم ونجد انفسنا نحن الغرباء في بلداننا و منطقتنا .

 

كنت قد كتبت في مقال سابق بان المنطقة دخلت مرحلة الفرز ونقطة الفرز هي الموقف تجاه مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا شك ان هذا القرار سيكون ذو علاقة بمسألة الفرز بشكل مباشر وكبير والمرحلة التي نراوح فيها ستكون لها خريطة ديمغرافية وجيوسيسة مختلفة تماما .. و القدس وكل شبر في فلسطين حق فلسطيني عربي اسلامي كان ولازال وسيضل و سيعود بمكر من يعملون لاستلابه باذن الله .

 

*رئيس مركز الرصد الديمقراطي .

مقالات ذات صلة