المؤمن يسلِّم أمره لله، يصدق، يثق، بوعود الله، والله هو الذي يفعل ما يريد

من هدى القرآن | 27 ديسمبر | مأرب برس :

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف:165) هنا لا يأتي عقوبة شاملة، لكن إذا كان الطرف الآخر هم على هذا النحو: {يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} {فَأَنْجَيْنَا} لم يقل فأنجينا الآخرين الذين لم يفعلوا هذا، وهم ساكتون هناك، لا، {فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} هؤلاء هم الذين سينجون، أما الآخرون الذين يعملون العمل المنكر، والساكتين، أو المداهنين، فهؤلاء قد يكون مصيرهم واحد.

{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وهذا الشيء مما يكون داخل الأمم، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، من رحمته، ليست تصرفاته مثل تصرفات الأمريكيين، نراهم مثلاً قد يكون واحد من منطقة ويداهمون المنطقة كلها، يداهمونهم كلهم هكذا. الله سبحانه وتعالى يؤاخذ العاصين فقط، والعاصون هم نوعان، من يعملون المعصية، ومن يسكتون عنها، ينجي الذين ينهون عن السوء.

إذاً فهذه تعطي الناس قاعدة: ـ لأن الله سبحانه وتعالى، هو الله الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، ما يزال حياً قيوماً، مدبر لشئون السموات والأرض، ما تزال سننه في عباده قائمة ـ أن الشيء الذي يجعل الناس يخافون على أنفسهم، عندما يرون أن هناك منكرات، وهم في نفس الوقت ساكتين على أساس أنه ماذا؟ خائف أنه لا يقول شيئاً، أو يتكلم، أو يكون له موقف منها، يلحقه شيء يضربه، لا، يجب أن تخاف من الله سبحانه وتعالى، من هذه السنة: أنك إذا لم تتحرك قد تضرب، أن الشيء الذي هو نجاة لك هو: أن تنهى عن السوء.

 

في مرحلة كهذه التي نحن فيها، أليس هو يظهر الكثير من أقوال الناس بالشكل الذي يدل على أنه من ظاهر القرآن، خلي عنك أشياء تستوحي منه ليس له أثر في النفوس. هنا يقول: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} أنجينا الذين ينهون عن السوء، أليس هذا يعتبر جواباً كافياً على أي إنسان، قد يأتي يقول لك: اسكت، إنما فقط قد تؤدي إلى أن يلحقك كذا، ومشاكل، وأشياء من هذه، يخوفك، قل: لا، إن القضية التي يجب أن نخافها هو عندما لا نعمل، عندما لا نتحرك، عندما لا ننهى عن السوء.

 

{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (الأعراف:166)، نعوذ بالله. إذاً هو هنا يبين بأن الله سبحانه وتعالى يؤاخذ، وكما أنه قادر على أن يؤاخذ بشكل عام أمة من الأمم، هو عالم بعباده جميعاً، يستطيع ويعرف أن يؤاخذ على طريق التخصيص، أخذنا الذين ظلموا، {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ}، أليس هو يبين هنا فئة خاصة من المجتمع؟ أيضاً يوجد فارق هنا، لاحظ كيف الفارق بين منطق من قالوا لهم: ما فائدة وعظكم لهم، وبين ما يحصل اليوم؟ بشكل عجيب الفارق، هنا سيقول لك: [اسكت ستكلف علينا، وتجلب الشر علينا، اسكت ما لك دخل، ماذا يمكن أن تعمل أنت في هذا الموضوع!].

 

هؤلاء ما يزال منطقهم الذين آخذهم الله على سكوتهم، منطقهم بأنه ما فائدة أن توعظوا قوماً قد هم محكوم عليهم ربما؛ لأنهم قد هم فاسقون، ظاهر فسقهم، قد هو محكوم عليهم بالعذاب الشديد؟ أليس هؤلاء منطقهم أحسن من منطق الناس اليوم؟ فعلاً ما يزال أعلى، أما هذا فيقول لك: اسكت! بل ربما في الأخير يحاول يطلِّع موقفك أنت بأنه المخالف للدين، يحاول يجعل موقفك المخالف لموقف الدين نفسه، بمعنى: أن هذه الحالة التي هي ظاهرة في الناس، يصدون بها من يعمل في عمل كهذا، وهو يذكِّر الناس بالله سبحانه وتعالى، وبخطورة كبيرة محتملة من جهة الله سبحانه وتعالى، فيما إذا قصروا، خطورة كبيرة من جهة العدو، وعدو يعرفه الناس، عدو كبير، وإمكانياته كبيرة، يأتي ليقول: [اسكت، ما لك دخل] لا يقول يا أخي: اسكت، هؤلاء الأمريكيون هم أعداء لله، وربما الله مهلكهم، أو معذبهم عذاباً شديداً، هو لا يقول هذه على الأقل، هذا سيكون منطقاً أسهل من المنطق الذي يقدمونه.

في حالة كهذه يرجع الإنسان إلى قاعدة لديه معروفة: أنه لا يعلم الغيب، أن تعتقد بأنك أنت جالس، أو أنت مثلاً قمت تصد عن عمل هو نهي عن السوء، وعندك كيف يمكن إنَّهْ يأتي لك مصيبة لوحدك، الإنسان لا يعرف تدبير الله، لا يعرف كيف يمكن أن يأتي له الله، ومن أين يأتي له الله، الله يقول: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (الحشر: من الآية2) في كثير من الحالات التي يؤاخذ فيها نوعية من عباده يقول: {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}، أو يقول لنفس من يتحركون لينهوا عن سوء يقولون: [نحن أمام خطورة كبيرة عامة، إذاً هي بالتأكيد ستلحقنا ولو نحن ناهين عن السوء؛ لأنه شيء عام، قد يعم شعباً بكله، ضروري يلحقنا]، يجب أن يفهموا بأن الله قال هكذا: {فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} (الأعراف: من الآية165).

 

النجاة أيضاً ألا تضع لها أنت قائمة وتصفها أنت، ما هي النجاة، النجاة عند الله، دع الله هو الذي يختار لك النجاة، قد تكون نجاتك فعلاً، قد تكون نجاتك بأن تستشهد في سبيله، ما معنى نجاتك هو: ألا يحصل عليك شيء! قد تكون نجاتك أنت كإنسان، كشخص معين في أن تستشهد في سبيله، ربما أنك لو لم يحصل لك هذا: أن يختارك الله فتستشهد في سبيله، قد يحصل شيء آخر يجعلك تتحول، وفي الأخير تهلك.

فالإنسان يترك الأمور لله، يصدق بوعد الله، يثق بالله، ولا يقدم خطة معينة لله، يقول: [أنا أريد أن تكون النجاة على هذا النحو، أريد أن يكون نصرك على هذا النحو، أريد أن يكون تأييدك على هذا النحو] لا، الإنسان يسلِّم أمره لله، ويثق بالله، ويصدق بوعود الله، والله هو الذي يفعل ما يريد، وبالتأكيد لن يختار لأوليائه إلا أحسن شيء لهم.

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأعراف:167). أي قضى سبحانه وتعالى بأنه على طول حياتهم، على طول تاريخهم، أن يبعث عليهم، ولا نستطيع أن نقول بأن معناه يومياً أو سنوياً، يبعث هو متى ما أراد ومتى ما شاء.

عندما يقول في هذه الآية: {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} مع أن أولئك قد قال عنهم: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(الأعراف:166) ألم ينتهوا، وأولئك الذين اعترضوا على من نهوا عن السوء، ألم ينتهوا أيضاً؟

 

هذه هي تعبر عن قضية خطيرة جداً، أنه عندما يعتبر الموجودين من بعد، الأجيال الموجودة من بعد، امتداداً لأولئك في روحيتهم، في نظرتهم، امتداداً يبرر لهم ـ تقريباً ـ ما هم عليه، ما هو الشيء الذي يجعل القضية على هذا النحو، يجعل الجيل المتأخر امتداداً للأول ما هي؟ ليست فقط موضوع الولادة، الثقافة، أخطر شيء على الناس هي الثقافة الخاطئة، فيمكن أن يكون مثلاً أبوك الأقرب، أو جدك ضالاً، وأنت لا تسير على نهجه، تعتبر مهتدي، وتعتبر من المفلحين، ومن الناجين، وهو جدك الأقرب، لكن من بينك وبينهم مئات السنين، أو آلاف السنين، وأنت تمشي على ثقافة هي امتداد لثقافتهم هم، امتداد لافتراءاتهم، امتداد لتبريراتهم، امتداد لأهوائهم التي تتحول في الأخير إلى ثقافة، معنى هذا ماذا؟ ستبقى القضية، وكأنك هم، وكأنك في موقعهم.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

 

الدرس التاسع والعشرون – من دوس رمضان المبارك.

 

بتاريخ 29 رمضان 1424هـ

الموافق 23/ 11/2003م

اليمن ـ صعدة.

مقالات ذات صلة