الله يحمي أولياءه حتى يتمكنوا من تبليغ آياته

من هدي القرآن | 25 فبراير | مأرب برس :

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ}، الملأ كبار الشخصيات في دولته، القادة والوزراء والوجهاء {فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} (الأعراف:103- 105)، أليست هذه تعتبر عبارة جريئة أمام فرعون؟ أمام فرعون الذي كان يلزم الآخرين إلى أن يجعلوه إلهاً، ويدينوا بأنه رب لهم، موسى يأتي ليواجهه بالعبارة هذه: {يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} لا يمكن أن أفتري عليه، لا يمكن أن أكذب عليه، ملزم بأن لا أقول عليه إلا الحق {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأعراف:106) .

لاحظ هنا أليس موسى محاطاً بعناية إلهية؟ فرعون يتجه إلى أن يقول له: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا} فرعون لم تكن طريقته بهذا الشكل، طريقته قمعية، كان المفروض أن يقول: امسكوه، كيف تقول لي هكذا: يا فرعون إني رسول من رب العالمين، يأخذونه ويقتلونه، وليس فقط يسجنونه، فهذا مظهر من مظاهر أن الله غالب على أمره، وأن بإمكان الناس أن يعملوا بدينه إذا ساروا على طريقته في أي وضعية كانوا، في أي وضعية كانوا.

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} (الأعراف:107) وعندما يقول له فرعون هكذا، أليس الشيء الطبيعي أن يلقيه في حضور آخرين من الملأ والحاشية وغيرهم {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} (الأعراف:109) ، وهناك يبين كيف يقول الملأ من قوم نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وغيرهم:{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} و{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وهؤلاء يقولون:{إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (الأعراف:110) دعاية جاهزة يستثيرون بها الآخرين، قد أصبحت القضية واضحة محسومة، لم يبق إلا {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} بعد البينات هذه تتحول العصا إلى ثعبان مبين، ويده تتحول إلى أشبه شيء بالعمود الذي يضيء.

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} (الأعراف:111) لاحظ كيف القرارات هنا، قراراتهم، أليسوا بالشكل الذي عادة يبطشون بالآخرين، هنا كيف أن الله يتدخل ضد الآخرين فيحمي أولياءه حتى يتمكنوا من تبليغ آياته، من تبليغ رسالاته، سواء في أيام نوح، هود، ثمود. هذا القرار حقهم: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} بالنسبة له هناك ألم يقل سابقاً له: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا} مع أن هذه ليست طريقته، هو جبار يفتك بالأطفال، فما بالك بهذا الشخص الذي أمامه، يقول له إنه رسول إليه من الله، كذلك ملأه قالوا: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} نخليهم، ونرسل في المدائن حاشرين، ونعمل اجتماعاً كبيراً ونرى ….، قصة السحرة وذلك الحشد الكبير.

إذاً لاحظ أليس هذا القرار بالشكل الذي يجعل موسى يتمكن من أن يطلع أكبر نسبة من الناس على الآيات الإلهية هذه؟ وهو لا يملك وسيلة موسى؛ لأنه في ظل وضعية ضاغطة بالنسبة للمجتمع، فيأتي من داخلهم هم يتخذون قراراً يحشدون له الناس مثلما حصل مع إبراهيم سواء.{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} (الأعراف:113) ؛ لأنهم هناك سيتحركون بأعلى ما لديهم من خبرة في مجال السحر، قد وعدهم بأجر، ووعدهم بأن يكونوا من المقربين {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا} (الأعراف: من الآية114- 116) .

ذكر في موضع آخر بالنسبة للقصة هذه، بأنهم حشدوا الناس حشداً كبيراً،{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (الأعراف:116) ليخيل إلى الناس، وموسى منهم، أن عصيهم وحبالهم قد هي عبارة عن ثعابين تتحرك،{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (الأعراف:117- 119)، وكانت هذه آية واضحة لفرعون وملئه وللناس، قد يكونون ربما آلاف؛ لأنه هنا يبدو أنه استنفار عام من جانب الملك نفسه، قرار حكومي بأن يحضروا إلى هذا المهرجان، يعرض فيه سحر السحرة، ويعرض فيه سحر موسى، وعلى أساس أنهم سيفشلون موسى تماماً، ويفضحونه أمام الكل .

{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الأعراف:122) وهذه من الأشياء العجيبة: أن السحرة أنفسهم يتو فقون للإيمان، فيها أيضاً آية بالنسبة للناس، لو ربما بقي السحرة ما آمنوا، لقالوا: إذاً فعلاً هو كان عنده قدرة سحرية، أو نحن كنا قصرنا في جانب معين، وممكن نلتقي في مهرجان آخر، لكن هم قد حشدوا كلما لديهم، فعرفوا بأن ما عند موسى ليست قضية سحر، قضية إلهية.

{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} (الأعراف: من الآية123) متى يمكن أن يأذن لهم؟! كيف يؤمنون له قبل أن يأذن{إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا}(الأعراف: من الآية123)، ولاحظ كيف عندهم تركيز على أنهم بسرعة يقدمون دعاية معينة هي استفزاز للمجتمع، إذاً أنتم كنتم أنتم وموسى قد تواطئتم على القصة هذه، ومكر{مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}(الأعراف: من الآية123)  قالوا: كان فرعون يركز في مواجهة رسالة موسى، يعني يقول للمصريين: بأن موسى وبني إسرائيل يريدون أن يخرجونا كلنا من أرضنا، ويجلسون هم في الأرض، فيركزون على هذه، وهي قضية تبدو مثيرة بالنسبة للمجتمع، مع أن موسى نفسه لا يقول هذا، يقول:{فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} أنا أريد أخرج أنا وبني إسرائيل، ألم يقل هناك في البداية أن أرسل معنا بني إسرائيل؟{فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} من البداية، يعني فالدعاية هذه التي كان يقدمها فرعون، أن هذا يريد أن يخرجكم من أرضكم، ليست صحيحة، موسى يقول من أول يوم بأنه هو الذي يريد أن يخرج هو وبني إسرائيل. هنا توعد السحرة، كان جوابهم بشكل عجيب، جواب من هم ثابتون، من هم مصرون على إيمانهم.

ولاحظ بعد الآيات البينات كيف يأتي قرار الملأ، حاشيته من الوزراء، والقادة، وكبار الدولة:{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف:127)  اتخذوا قراراً قد عملوه سابقاً.{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128)  هنا يبين كيف أنهم النوعية هذه ناس يقدمون أنفسهم وكأن الطرف الآخر الذين هم المصلحون في الواقع إنما يريدون إخراج الآخرين، يريدون الإفساد في الأرض بطريقة ليس هناك ما يدل عليها نهائياً. إذاً فعندما يصغي لهم الناس سيهلكونهم؛ لأن رسالة موسى ما كانت فقط إلى فرعون، إلى فرعون وإلى المجتمع بكله.

الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

[الدرس السابع والعشرون – من دروس رمضان]

(سورة الأعراف)

ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.

بتاريخ   27رمضان 1424هـ

الموافق: 21/11/2003م

اليمن ـ صعدة.

مقالات ذات صلة