ازمة الغاز… بين مؤشرات الانفراج واستمرار أسباب حدوثها

صحافة محلية | 12 مارس | مأرب برس :

نوح جلاس  ’’المسيرة’’ :

تستمرُّ معاناةُ المواطنين في رحلة الحصول على الغاز المنزلي والوقوف في طوابير لعدة ساعات أَوْ لعدة أيام، وعلى الرغم من تأكيد مصدر حكومي لصحيفة المسيرة بأن الأَزْمَـةَ ستشهدُ انفراجةً كاملةً خلال الساعات القليلة القادمة، إلا أن القضية لا تتوقف عند ذلك، فهناك مخاوفُ منطقيةٌ من عودة أُخْـرَى للأَزْمَـة إذا لم تتم معالجةُ أسباب الأَزْمَـة ومحاسبة المتورطين فيها، سواء من تجار أَوْ مسؤولين على الأقل في نطاق سلطة قدرة وسلطة حكومة الإنقاذ الوطني.

في الاجتماع الحكومي، أمس الأول، قدمت وزارةُ النفط والمعادن تقريراً أفاد في أبرز نقاطه بوصول 85 مقطورة غاز إضافية إلى العاصمة صنعاء والمحافظات الأُخْـرَى، مبشراً بانحسار الأَزْمَـة، وفيما يتعلق باستمرار الطوابير أمام المحطات فقد عزا التقريرُ ذلك إلى وجود بعض الإشكاليات، منها عدم التزام التجار بالاتّفاق الذي جرى مع الحكومة وحدّد سعر أسطوانة الغاز بقيمة ثلاثة آلاف ريال، مشيراً إلى أن الحكومة تمسّكت بالسعر. كما عزا التقريرُ أسبابَ بعض الإشكاليات إلى ممارسات في المنافذ التي يتحكم بها مرتزقة العدوان.

الجديدُ في الأمر وفقاً للمصدر الحكومي الذي تحدث لصحيفة المسيرة هو التوصل لجذور وأسباب حدوث الأَزْمَـة والتعامل معها، وتأكيده على أن الساعات القادمة ستشهد انفراجاً كاملاً للأَزْمَـة.

وبغض النظر عن انفراج الأَزْمَـة خلال الساعات القادمة، حاولت صحيفة المسيرة الإجابةَ على بعض التساؤلات التي تطرحُها بين يدي حكومة الإنقاذ لأخذها بعين الاعتبار، من بين تلك التساؤلات المطروحة ما يتعلق بسِرِّ استمرار الطوابير أمام المحطات رغم توفر مادة الغاز فيها.

وإذا كان التفسير الأولي لأية أَزْمَـة تحدُثُ يحتاجُ لمعرفة المستفيدين منها والذين هم في هذه الحالة العدوان الذي يتحكّم بمادة الغاز في مأرب وله أهداف سياسية من وراء العمل على خلق واستثمار الأزمات، وكذلك التجار الذين إما يسعَون للربح غير المشروع من وراء صناعة الأزمات والمستفيدون من التجار أيضاً وكذلك علاقة محتملة بين بعض التجار ومرتزقة العدوان.

أما الطرف الآخر الذي يتحمل مسؤولية حدوث الأَزْمَـة وليس صناعتها هو الجانب الحكومي الذي غاب عنه وضعُ استراتيجية عملية لتخزين مادة الغاز لمواجهة هذه الظروف، وكذلك الإهمال أَوْ التواطؤ الحكومي في ضبط ومحاسبة كُلّ المسؤولين عن خلق الأَزْمَـة واستمرار تداعياتها.

وتشهدُ العاصمةُ صنعاءُ تراجعاً نسبياً في أَزْمَـة الغاز المنزلي، ليس من حيث تراجع الطوابير، وإنما من حيث انتقال الأَزْمَـة من مرحلة انعدام مادة الغاز إلى مرحلة صعوبة الحصول عليها، ومن مَرحلة ارتفاع أسعار المادة إلى خفضها، ولكن دون وجود سيطرة حكومية كاملة على ذلك، فثمة طرق ابتكرها التجار للتحايل على اتّفاق تحديد السعر المقدر بـ3000 ريال للأسطوانة الواحدة.

ويمكن القولُ إن التراجع المحدود للأَزْمَـة يعود إلى الجهود التي بُذلت من قبل السلطات وبعض المواطنين المتطوعين في عملية التنظيم لمواجهة هذه الأَزْمَـة التي افتعلها عددٌ من الأعداء الحاقدين على الوطن أرضاً وشعباً, ورغم مساعي المعنيين ومن معهم في مواجهة هذه المؤامرة إلا أن المواطن ما زال يحلُمُ بالحصول على أسطوانة غاز واحدة بعدَ البقاء في الطوابير عدة أيام تحتَ حرارة الشمس وبرد الليل.

وبعد جولة ميدانية قامت بها صحيفةُ المسيرة خلال اليومين الماضيين في عدد من أحياء العاصمة التي يشكّل أهاليها طوابيرَ كبيرة حول محطات بيع الغاز, أفاد مواطنون وقائمون على توزيع الغاز بأن الأسبابَ الرئيسية في استمرار الأَزْمَـة تكمن في عدة نقاط رئيسية على النحو التالي:

وفقاً للمعلومات التي تم جمعها خلال النزول الميداني يظهر أن إخفاء بعض كبار تجار الغاز للكميات التي كانت متوفرة لديهم وكان ذلك أول مؤشرات وأسباب حدوث الأَزْمَـة التي سعى التجار من خلالها لتحقيق أرباح مضاعفة ولو على حساب الكادحين من المواطنين.

وعلى سبيل المثال يقول المواطن عصام السكبي من أبناء منطقة 45 حي الزهراوي للصحيفة: إن محطة النصر الكائنة في حَيِّهم كانت قبل الأَزْمَـة تَحْوِي كمياتٍ كبيرةً من الغاز، لكن تم إغلاقُها، مثل المحطات الأُخْـرَى؛ بحجة عدم توفر الغاز لكنها عاودت البيع ولكن بسعر مضاعف، ثم عاودت تلك المحطة الإغلاق لرفض مالكها البيع بالسعر الذي تم الاتّفاقُ عليه بين التجار والحكومة والمحدّد بـ3000 ريال، وهو أيضاً ما أكّده تقريرُ وزارة النفط والمعادن في اجتماع الحكومة.

وبعد جُهد بذلته الأجهزة المعنية لإلزام التجار بالبيع بالسعر المحدد، ظهرت إشكاليةٌ أُخْـرَى تتعلّقُ بسوء اختيار الآلية التي يتم بها توزيعُ الغاز في بعض المحطات, منها آلية تقوم على تخصيص محطة تعبئة تقعُ في حي معين تقوم بتوفير الغاز لسكان حي آخر بعيد عن موقعها, وذلك عبر الكشوفات المعتمدة من قبل عقال الحارات, وهذا ما حصل مع سكان حي الغدير الكائن في الدائري وحي الزراعة وحي معين وحي البياضي وعدد من الأحياء الواقعة حول جامعة صنعاء الجديدة, حيث أفاد المواطن “عبدالله العربجي” من أبناء حي معين أثناء وقوفه في طابور الغاز الواقع في حي الغدير، بأن هذه الآلية قررها بعض النافذين؛ وذلك لخلق احتكاكات وتوترات بين سكان الأحياء, تجعل سكانَ كُلّ حي يرون أنهم أولى بالغاز المتواجد في حيهم.

وأضاف العربجي أن هذه الآلية تُنفَّذُ فقط في الأحياء المحيطة بجامعة صنعاء الجديدة على عكس الأحياء الأُخْـرَى. وعلى الرغم من استمرار محطة الغدير في التعبئة إلا أنها تتوقفُ في بعض الأحيان عن الخدمة؛ وذلك بسبب الجهد المطلوب لتجهيز الكشوفات والأسماء التي يتم رفعها للقائمين على توريد الغاز إليها؛ وبسبب صعوبة تنفيذ هذه الآلية غير المناسبة, وهذا ما أفاد به الأخ عابد المنجري مسؤول مربع حي البستان والذي يعمل على تجهيز كشوفات التعبئة الخَاصَّة بهذه المحطة.

ومما ساهم في استمرار الطوابير والازدحام هو ظهور أساليب جديدة للتربح التي ابتكرها بعض المواطنين من خلال إحضار عدة أسطوانات لتعبئتها وبعد ذلك بيعها بشكل شخصي بأسعار مرتفعة لأشخاص لديهم القدرة المالية التي تجعلهم يفضّلون الحصولَ على الغاز بهذه الطريقة بدلاً عن الوقوف في الطوابير حتى لو لم تكن لديهم حاجة ماسّة للغاز لتوفر أسطوانات أُخْـرَى لديهم.

تلك الظاهرةُ وُجدت على سبيل المثال في بعض المحطات أبرزها محطة الاستقبال الكائنة في شارع تعز جوار فندق الاستقبال, حيث أفاد المواطن كمال غزوان أحد أبناء حي بيحان، أن هناك من يسعى لاحتكار الغاز بهذه الطريقة وتم منعهم من قبل القائمين على توزيع وتعبئة الغاز في هذه المحطة.

وتظهر إشكالية رابعة تتعلق بوقوف عدد كبير من المواطنين والمواطنات في طوابير أمام محطة واحدة لا تملك المخزونَ الكافي لتعبئة كُلّ الأسطوانات، الأمر الذي ضاعف المعاناةَ، حيث اضطر المواطنون وبينهم نساء بعضُهن كبيراتٌ في السن للمبيت في موقع الطابور أمام المحطات والمرابطة ليلاً ونهاراً حتى يتم توفيرُ كميات جديدة من الغاز.

ويلعبُ العدوانُ، عبر بعض عملائه، دوراً في مفاقمة المعاناة، حيث يفيد مواطنون أن هناك من يتعمد إحداث الشجارات في محطات الغاز لتكون سبباً في إيقاف المحطة عن العمل وإغلاقها بوجه المواطنين، ومن تلك الحوادث ما أفاد به مواطن أنه شهد قدومَ عصابة مسلحة لإحدى المحطات الذين حاولوا الحصول على كميات كبيرة من الغاز، متجاوزين المواطنين الواقفين في الطابور باستخدام القوة، ما أَدّى لإيقاف البيع في المحطة.

وفيما يتعلّقُ بالمسؤولية الحكومية عما يجري فإن مماطلةَ بعض القائمين بشركة الغاز في توزيع الغاز لبعض مناطق الأمانة رغم تجهيز آلية التوزيع وكشوفات المستفيدين النهائيين التي تم تجهيزُها بعدَ استبعاد أصحاب المطاعم تعد من بين أسباب استمرار الإشكاليات، وهذا ما أفاد به مديرُ عام مديرية الثورة محمد حمود الدرواني في تصريح لصحيفة المسيرة الذي دعا المختصين في شركة الغاز إلى سُرعة الاستجابة لسكان المديرية وتوفير الغاز في المحطات الكائنة فيها.

إيجابيات نادرة

رغمَ كُلّ الإشكالات السابقة إلا أن السلطات الأمنية والمتطوعين وأعضاء المجالس المحلية وعقال الحارات يبذلون جهودَ قُصوى؛ لتجاوز هذه الأَزْمَـة، مما يجعل هناك بعض الملاحظات الإيجابية وسط السلبيات الكثيرة التي أتعبت المواطنين.

وخلال الجولة الميدانية التي قامت بها الصحيفة تبيَّنَ أن المحطات القائمة بنظام الكروت والترقيم هي أكثرُ المحطات خدمةً، ولم تنقطع عنها مادة الغاز, وهي محطاتٌ عامة ليست مخصصةً لحي أَوْ مديرية؛ وذلك لسلاسة التوزيع وتقنين آليته, واختفاء أية مشاكل عارضة, مع تجاوُبِ شركة النفط معها, حيث أفاد الكثيرُ من المواطنين الذين التقت بهم الصحيفة في حي الصافية شارع أبوظبي, أن محطةَ أبو ظبي لم تتوقفْ عن البيع منذ بداية الأَزْمَـة, مضيفين أن سكانَ الأحياء المجاورة والبعيدة يأتون إلى هذه المحطة؛ كون الحصول على الغاز منها يعتبر أقلَّ صعوبةً من المحطات الأُخْـرَى, شاكرين أفرادَ اللجان الشعبية القائمين على توزيع الغاز في هذه المحطة.

المواطن صدام النجاشي -القائم على تنظيم التوزيع في تلك المحطة-, أفاد للصحيفة أن الآلية المتبعة هي الترقيمُ بالكروت, واضعاً على الكرت رقماً مجانياً للمواطنين للاتصال في حالة وجود فساد ومخالفات في هذه المحطة, وحصلت الصحيفة على صورة للكرت.

وإجمالاً لما ذكر سابقاً هناك مشاكل حلولها بيد المواطنين وأُخْـرَى بيد السلطات؛, ولذا يجب أن يكون هناك تعاونٌ مشتركٌ للتغلب على هذه المؤامرة المفتعلة.

وبما أن جهودَ الحكومة قدمت للمواطنين سعراً بسيطاً للأسطوانة مقارنة الأسعار السابقة, إلا أن صعوبةَ الحصول على الغاز نفسه أخلّت بالنظر في الإنجاز الذي يُحسَبُ للإنقاذ.

مقالات ذات صلة