سياسة الاتكاء على الريح ..!

مقالات | 17 مارس | مأرب برس :

لا شكّ في أن كل دولة تبحث عن مصالحها في العالم، وهو ما يتفق عليه الجميع، وهذا لا يعني ألّا تبحث دولة ما عن مصالحها ولكن بشرط أن ذلك لا يتعارض مع محيطها الدولي أو الإقليمي، فقد تتوازى المصالح وتلتقي عند مساحة مشتركة يطلق عليها “تقاطع المصالح” بدل تضاربها وتعارضها.

 من بوابة “تقاطع المصالح” فتح العرب أبوابهم إزاء الغرب، ودخل الساسة الغربيون تحت عنوان “الداعم” لتلك الأنظمة والشعوب.

الأهم.. هوية ذلك “الدعم” المقدم !

يتمتع الغرب بمميزات حسب إعلامه، الحريات، حقوق الإنسان والحيوان، وديمقراطية الحكم، وبتلك الميزات يتغنى ليل نهار، رغم أن عشرات الإحصائيات التي تُظهر عكس ذلك الواقع النقي، وترد عليهم من أفواههم عندما تكشف الأحداث وبلغة الأرقام عبر مؤسساتهم التي تنشر ما تخلفه حروبهم وسياساتهم من ضحايا أبرياء من المدنيين، وما يعلن من أعداد للقتلى في بلدانهم.!

 ومع أن العالم الإسلامي والعربي لم ينل من الغرب سوى المطبات الداخلية والصراعات الطائفية وتأجيج الحروب الإقليمية وتحديداً الشرق أوسطية، إلا أن القبلة الغربية لا تزال محط أنظار البعض، فشل تجربة العلاقات الاستراتيجية ما بين الشرق الأوسط وبلدان الغرب لا يختلف كثيراً عن تجاربهم الفاشلة مع العثمانيين على مدى قرون مضت، وتتشابه كثيراً أيضاً مع الصراع الإسلامي الصهيوني في العصر الحديث، وما تأجج من فتن عرقية ومذهبية وقومية تمكنت من إشعال حروب إقليمية عرفت بأنها الأعقد على مدى عقود مضت.!

ما تترجمه المواقف الغربية إزاء البلدان العربية والإسلامية ومواقفها بالمجمل وبالتفصيل الممل، ترسم لوحة “دعم سلبي” بامتياز، تجلّى للقاصي والداني من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، لكنه ورغم ذلك ما يزال إيجابياً برأي أصحاب القرار في بلادنا.!

يتركز “الدعم الإيجابي” على تحقيق الاتفاقيات بما يخدم مصالح الطرفين في العادة، وهذا ما لم يتحقق في العلاقة ما بين الغرب والعرب، وعود بالمساعدات بالجملة، وعروض بتقديم العون لم تنفذ ولم تخرج عن إطار “لقلقة اللسان”، لسان طالما تلاعب بعقولنا وتراقص على أنغامه حكامنا.!

إذا ما نظرنا إلى الواقع الذي وصلنا إليه جرّاء “الدعم السلبي” وما سنواجهه مستقبلاً، فإننا لا بدّ أن نرصد تلك المخاطر بدقة أبرزها:

1- تتلاعب هذه السياسة بعواطف الشارع العربي وتسرّع بإيقاعه في فخ التحالف مع الغرب وتعزيز العلاقات التي تخدم بلده وتخرجه من أزماته وواقعه المتردي، يواصل الغرب لهجته الداعمة ولغة الوعود بتحقيق المنجزات، ورسم الأحلام الوردية لدى العرب وكأن الغرب جاء منقذاً مخلصاً له، وهنا تحقق الجزء الأكبر من مخططهم “الدعم السلبي”.

 2- سياسة الإغراء، هي عامل مهم يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر، في صناعة فكر موازٍ للمبادئ العربية والوطنية والإسلامية وتهدف بالمجمل إلى الدفع وراء تناسي هموم العرب والإسلاميين، حيث إن قضاياهم الجوهرية التي أوشكت اليوم على السقوط من أولوياتهم.. كما تبدلت معظم القيم وانقلبت رأساً على عقب، وغدا الدفاع عن الوطن والكرامة في بلادنا “طائفية”، وحمل السلاح من أجل الأرض والعرض “انتهاكات إنسانية”، والوقوف أمام المخططات التي تضرب الأمن القومي لبلادنا “خروجاً عن المواثيق الدولية”، نعاقب عليها بالضغوطات والعقوبات الاقتصادية والسياسية والتطويرية على كل الأصعدة والمجالات.! هذه هي خلاصة “الدعم السلبي”

3- كما أن سياسة هذا الدعم تعمل على تخدير الشارع الغربي من أي تحرك بالضدّ من سياسات قادتهم في الشرق الأوسط، وتلبس صفقاتهم المشبوهة قناع تصدير الديمقراطية وخدمة الشعوب وزرع الحريات وغيرها من الشعارات البائسة، وفي الوقت نفسه تحشد الرأي العام الغربي للدفاع عن سياساتهم.

 وهذا ما تحقق منذ سنوات تحت شعار دعم الثورات العربية لكن الواقع كان يعكس سياسة لا تعنيها سوى “نهب الثروات” العربية والإسلامية، وملف حقوق الإنسان تحديداً والديمقراطية لا يتعامل معها الغرب وأمريكا التزاماً منهم بالقيم الإنسانية والأخلاقية، إنما لتسيير سياساتهم ومصالحهم، وهذا ما عبّر عنه “ريتشارد هاس” ذو الميول الصهيونية ومدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية قبل أشهر، أمام مجلس العلاقات الخارجية “إن التجارب القاسية علمتنا أن مثل هذه المجتمعات (يقصد المجتمعات العربية والإسلامية) مصدر الإرهابيين والمتطرفين الذين يستهدفون أمريكا لتأييدها للنظم الحاكمة في بلادهم.!

نرى في الأفق ملامح ذلك الموج الهادر والسيل الجارف والتغيير القادم، وأقول لمن لا يزال يعقد الآمال على الغرب، آمالكم ما هي إلا طموحات في “مهب الريح” .

الوقت التحليلي .

مقالات ذات صلة