سياسة الهيمنة الدولية لأميركا وخطر انفجار حرب تجارية عالمية

صحافة عربية ودولية | 7 مايو | مأرب برس :

صوفيا ـ جورج حداد / العهد الاخباري :

عشية وخلال الحرب العالمية الثانية كانت شعوب العالم بأسرها مهددة بالوقوع تحت العبودية الوحشية المطلقة لالمانية النازية والفاشية الايطالية والعنصرية اليابانية. ولم يبق بعيدا مؤقتا عن الخطر سوى اميركا، التي لم تطأها اقدام الجيش الالماني ودباباته وطائراته، بسبب الوضع الجزيري لاميركا البعيدة خلف المحيطات. ولكن النازية الالمانية كانت تعمل بشكل حثيث على تطوير سلاح الغواصات بعيدة المدى (التي وصلت طلائعها الى قرب المياه الاقليمية الاميركية) والسلاح النووي والصاروخي الذي اوشك على الاكتمال قبل نهاية الحرب بقليل. ولكن الجيش الاحمر السوفياتي استطاع اقتحام المانيا واجتاح وتجاوز برلين قبل ان تكتمل المشاريع العسكرية النازية، واضطر هتلر الى الانتحار. وهذا ما انقذ العالم من الطاعون النازي والفاشستي، وانقذ اميركا بالذات من الصواريخ والقنابل الذرية لهتلر.

هذا مع العلم ان الاتحاد السوفياتي السابق (وقلبه روسيا) قدم اعظم التضحيات في الحرب العالمية الثانية. ويكفي ان نجري المقارنة التالية:

ـ ان اليونان الصغيرة (وكان عدد سكانها 7.222.000 نسمة) قدمت من القتلى عددا يتراوح (حسب مختلف الاحصاءات) بين 320.000 و 807.000 قتيل. عدا الخراب الكبير الذي حل بها.

اما الولايات المتحدة الاميركية (وكان عدد سكانها 131,028,000) فسقط لديها  420,000 قتيل. ولم يتهدم فيها حائط واحد في اسطبل للبقر.

واما الاتحاد السوفياتي (وكان عدد سكانه 168,524,000 نسمة) فقدم ما بين 21,800,000 و 30,000,000 قتيل (حسب مختلف الاحصاءات) وحل به دمار لا يوصف، نتيجة سياسة التدمير المبرمجة من قبل القيادة النازية الالمانية التي كانت قد قررت تحويل الاتحاد السوفياتي الى قاع صفصف وقتل اكبر عدد ممكن من السكان وتشريد واسر الباقي وتحويلهم الى “عبيد عمل” بالمعنى الحرفي للكلمة واستخدامهم في المصانع والورش والمزارع الالمانية، طبقا للمفهوم الروماني القديم بأن كل Slav (= سلافي) هو slave (= عبد).

وبالرغم من كل هذه التضحيات، لانقاذ شعوب اوروبا واميركا والعالم قاطبة، فإن الاتحاد السوفياتي، فإن الكتلة “الدمقراطية” الغربية بزعامة الولايات المتحدة الاميركية عاملته ـ اي الاتحاد السوفياتي ـ بمنتهى الجحود ونكران الجميل والشيطنة وفرضت عليه الحصار باسم “الستار الحديدي”.

وعشية نهاية الحرب (واستسلام المانيا النازية في ايار/ مايو 1945، واستسلام اليابان في اب/ أغسطس 1952) تملكت اميركا عدة امتيازات دولية جيوستراتيجية ومالية واقتصادية استثنائية هي:

ـ1ـ التفرد بامتلاك القنبلة الذرية التي ترعب العالم. (وفي 1949 تمكن الاتحاد السوفياتي من كسر احتكار السلاح النووي).

ـ2ـ في 1 ـ 22 تموز/ يوليو 1944 عقد مؤتمر بريتون وودز (Bretton Woods) قرب واشنطن بأميركا. وحضره ممثلو 44 دولة من كافة ارجاء العالم. وفي هذا المؤتمر اعلنت اميركا التخلي عن التغطية الذهبية للدولار الورقي الاميركي، ولكنها حددت سعر اونصة الذهب بـ 35 دولارا ورقيا بكفالة الدولة الاميركية. وأعلن الدولار بوصفه العملة الدولية الرئيسية. وهكذا اطلقت يد السلطات الاميركية في طباعة ما تشاء من العملة الورقية حسب مقتضيات السياسة الدولية الاميركية، وليس حسب مقتضيات الاقتصاد الاميركي بحد ذاته.

ـ3ـ في مؤتمر يالطا (الذي عقد في 4 إلى 11 شباط/ فبراير عام 1945) وقع ستالين وروزفلت وتشرشل “اتفاقية يالطا”. وبالاستناد الى هذه الاتفاقية اطلقت يد اميركا بالتنافس مع شركائها الغربيين في العمل للسيطرة على جميع دول العالم خارج الكتلة السوفياتية. (وبموجب اتفاقية يالطا وافق ستالين على قرار تقسيم فلسطين وانشاء الكيان الصهيوني، وتم استخدام النفوذ السوفياتي لفرض هذا القرار على الاحزاب الشيوعية العربية والتخلص من القيادات الشيوعية العربية التي رفضت القرار، بما في ذلك اتفاق الانكليز والقيادة الستالينية على اعدام القائد التاريخي للحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان “فهد” ورفاقه).

ـ4ـ فور مغادرته يالطا اتجه روزفلت الى مصر، وفي 14 شباط/ فبراير 1945 اجتمع مع الملك عبدالعزيز آل سعود على متن الطراد الاميركي “كوينسي”. وعقد معه ما سمي “اتفاقية كوينسي” التي تقضي بوضع يد اميركا على النفط السعودي مقابل توفير الاموال والحماية الاميركية للاسرة السعودية.

بالاستناد الى هذه الامتيازات تحقق لاميركا ما يلي:

اولا ـ اطلاق يدها في انتهاج سياسة الهيمنة الاقتصادية ـ السياسة ـ العسكرية ـ الامنية على ما يسمى “العالم الحر” او “العالم الغربي” بمواجهة “المعسكر الاشتراكي” او “العالم الشرقي” وركيزتيه الاساسيتين الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية.

ثانيا ـ اطلاق يد الادارة الاميركيية في طباعة العملة الورقية (الدولار) ووضعه في خدمة السياسة التوسعية الاميركية للهيمنة على العالم.

ولدى وفاة فرانكلين روزفلت في نيسان/ أبريل 1945 كان دين الدولة الاميركية او ما يسمى الدين العام 200 مليار دولار. ولدى انتهاء ولاية باراك اوباما ومجيء ترامب الى البيت الابيض في كانون الثاني/ يناير 2017 كان الدين العام الاميركي قد بلغ عشرين تريليون دولار (= 20.000 مليار دولار) اي 1000% او عشرة اضعاف الدين العام في نهاية عهد روزفلت. اي ان اميركا تحولت من دولة انتاجية بالدرجة الاولى الى مطبعة للعملة الورقية التي تشتري بها ما تشاء من سلع العالم كما تشتري الاعلاميين والسياسيين والعسكريين في جميع انحاء “العالم الحر” وداخل “المنظومة السوفياتية” ذاتها. ولهذه الغاية اعتمدت اميركا سياسة “الابواب المفتوحة’” في الاستيراد والتصدير، بحيث تقلصت حصة الانتاج في الاقتصاد الاميركي الى حدود 10 ـ 12%. مما اصبح يهدد المجتمع الاميركي بالانفجار. وبلغ الامر في نهاية عهد اوباما ان الدولة اصبحت عاجزة عن دفع مرتبات موظفيها الا عن طريق زيادة الدين العام وطباعة كمية جديدة من العملة الورقية.

ولكن الاقتصاد له قوانينه “الطبيعية” كقانون الجاذبية الارضية التي لا يمكن الخروج منها الا كخروج الصاروخ الفضائي. فهل يمكن تحميل اميركا في صاروخ واطلاقها خارج الكوكب الارضي؟

لقد وجدت اقتصادات جميع بلدان العالم، حتى افقرها، طريقها للدفاع الطبيعي عن نفسها بالاعتماد على الانتاج. على عكس السياسة المالية اللاانتاجية للولايات المتحدة الاميركية.

وهكذا انعكست الآية: فبعد ان كانت اميركا تدفع المال من اجل تحقيق ستراتيجيتها السياسية والعسكرية، اصبحت الان تُخضع ستراتيجيتها السياسية والعسكرية من اجل الحصول على الاموال. وبدلا من سياسة “الابواب المفتوحة” للاستيراد والتصدير، بدأت تتجه نحو فرض سياسة الحماية بالضرائب الجمركية وتعديل الموازين التجارية بينها وبين دول العالم.

فسياسة العداء، مثلا، لروسيا وايران وكوريا الشمالية، لم تعد مقصودة بحد ذاتها، بل اصبح المقصود هو الضغط  اقتصاديا على روسيا والصين وايران لصالح الاقتصاد الاميركي.

والاخطر من كل ذلك الان هو عزم ادارة ترامب على رفع الحواجز الجمركية حول السوق الاميركية، وهذا ما يهدد بتفجير حرب تجارية عالمية كبرى تشمل لا اعداء اميركا فقط بل واقرب حلفائها كالاتحاد الاوروبي وبريطانيا والسعودية وكندا والمكسيك.

وهذا يحمل في طياته خطر نشوب حروب اقليمية طاحنة، بل وخطر نشوب حرب عالمية ثالثة.

ولكن اميركا لم تعد بمنأى عن الخطر كما كانت في الحربين العالميتين الاولى والثانية، لان الصواريخ قربت جميع المسافات، واصبحت اميركا تحت قبضة حتى كوريا الشمالية الصغيرة، الفقيرة والجائعة.

مقالات ذات صلة