من العثمانيين وحتى نقل السفارة.. نظرة على تاريخ اليهود في القدس

متابعات | 24 مايو | مأرب برس :

قال جوان كول في مقال له على موقع «تروث ديج»: إن الرئيس ترامب برر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس بأنه «اعتراف بالواقع، وهو أن القدس عاصمة إسرائيل».

وأوضح كول أن هذه الخطوة تسببت في جدل كبير لأن القوانين الدولية وضعت القدس تحت السيادة العربية اليهودية المشتركة. لم تحظَ خطة تقسيم فلسطين التي اقترحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب انتهاء الانتداب البريطاني بالقبول، حيث لم يوافق عليها مجلس الأمن الدولي، لكن حتى ذلك التقسيم لم يمنح القدس للمستوطنين الصهاينة الأوروبيين الذين بلغ عددهم نصف مليون مستوطن جلبتهم السلطات الاستعمارية البريطانية إلى فلسطين كجزء من خطتها طويلة الأمد لتقسيم وحكم الشرق الأوسط. «في عام 1799، غزا الجنرال نابليون بونابرت فلسطين العثمانية ووجد هناك حوالي ثلاثة آلاف يهودي فقط. وبعد الحروب الصليبية، لم يظهر دليل على وجود يهودي كبير هناك منذ حوالي 800 سنة».

ثم اشتعلت حرب عام 1948 مع بدء مغادرة البريطانيين – يشير كول – فسيطرت العصابات اليهودية على القدس الغربية، فيما احتل الأردن الجزء الشرقي من المدينة، ذا الأهمية الدينية لكل من اليهود والمسلمين. وفي عام 1967، شنت إسرائيل حربًا للسيطرة على الضفة الغربية الخاضعة لسلطة الأردن، وشبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية «نعم، إسرائيل هي من أشعلت الحرب، مستغلة خطابًا ناريًا ألقاه جمال عبد الناصر، الذي كان جيشه غارقًا في حرب اليمن».

وقد نجح المخطط بشكل هائل، ليسيطر اليهود على المزيد من الأراضي وكل القدس، ولكن أيضًا جعل إسرائيل دولة عنصرية. فصل الإسرائيليون بشكل غير قانوني جزءًا من الضفة الغربية وأضافوها إلى القدس. واستخدموا منذ ذلك الوقت مزيجًا من القوة، وبناء المستوطنات العشوائية، والألاعيب القانونية لإخراج الفلسطينيين من القدس الشرقية.

ويؤكد كول أن ما قصده ترامب من نقل السفارة هو إضفاء الشرعية على هذا التوسّع الاستعماري الإسرائيلي العنيف. ولأن القانون الدولي يحظر عليهم ذلك، فقد اعتاد الإسرائيليون على أن يأخذوا بأياديهم ما يعتبرونه حقًا، لكن ليس هناك ما يضمن أن هذا النهج سيفلح على الدوام.

لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نظرة قومية رومانسية للتاريخ، زاعمًا أن القدس «يهودية» منذ آلاف السنين. بيد أن المدينة كانت قد تأسست على يد الكنعانيين أو أسلافهم على شرف الإله شاليم – يكشف كول – ومن المحتمل أن يكون انبثاق العرق اليهودي من سلالة الكنعانيين قد حدث في الألفية الأولى قبل الميلاد، وليس قبلها. لم يحكم اليهود القدس تقريبًا بعد الفتح البابلي، بل كانت تحت سلطة العراقيين والإيرانيين والرومان والمسلمين.

استقر الرومان تدريجيًا في فلسطين، وهم من منحوها هذا الاسم، وسيطروا على يهودا في عام 63 قبل الميلاد ونصّبوا عليها حكامًا موالين لهم. وبعد فترة قصيرة من الفتح الفارسي، عاد الرومان إلى هيرودس. لكن في سنة ست ميلادية، وقعت فلسطين تحت الحكم المباشر للرومان.

وقد أشعل اليهود تحت الحكم الروماني بعض الثورات – يضيف كول – أكثرها أهمية وقعت بين عامي 66-70 ميلادية. ولكن سُحق التمرد العظيم بوحشية من قبل الرومان ودمروا الهيكل الثاني. ولم يعد لليهود صلة دينية مباشرة بالمدينة، وأصبحت عبادتهم أكثر محلية. وبعد ثورة كبيرة ثانية في 132-136 ميلادية بقيادة سايمون بار كوشبا، طرد الرومان اليهود من القدس.

أساء الرومان الوثنيون معاملة المتمردين – يكشف كول – وكانوا مستعدين لتبني أساليب الأرض المحروقة ولقتل أعداد كبيرة من الناس أو طردهم من أراضيهم، لكن حقبة السلام والأمن الروماني (Pax Romana) جاءت بتكلفة باهظة على الرغم من أنه يبدو أن الأباطرة الذين حكموا بعد أوجستوس كانوا أقل شراسة وحشية مما كانت عليه الإمبراطورية.

ثم منع الرومان اليهود من العيش في القدس من عام 36 ميلادية، وأعادوا تشكيلها كمدينة وثنية. لقد قضوا على القدس اليهودية من على وجه الخريطة. وقاموا ببناء معابد وثنية هائلة للمصلين للمشترى والزهرة. وأقاموا تمثالًا للمشترى على جبل الهيكل المهجور.

لكن الرومان لم يطردوا اليهود من فلسطين – يؤكد كول – وإنما من القدس فقط. فقد بقيت جاليات يهودية كبيرة في الجليل، وطبريا، وبتوليمايس «عكا»… إلخ. وبينما حظر القانون على اليهود العيش في القدس، فإن القوانين دائمًا ما جرى التساهل في تنفيذها، وربما كان هناك مجتمع يهودي صغير غض المسؤولون الطرف عنه.

شكل اليهود في فلسطين الرومانية مجتمعًا أكبر وأكثر أهمية من المجتمع المسيحي المشرقي الصغير. تخيلوا دهشتهم عندما تبنّى الإمبراطور الروماني قسطنطين في عام 312 ميلادية الديانة المسيحية، وحوّل خلفاؤه الإمبراطورية الرومانية إلى دولة مسيحية، وسعوا إلى تحويل معظم الوثنيين في المدن إلى دين جديد على مدى القرون اللاحقة. «ثمة بقايا وثنية من القرنين السادس والسابع في الريف، وتحدث القرآن عن ذلك».

قامت والدة قسطنطين، هيلينا، بجولة في الشرق الأدنى وفزعت من الهيمنة الوثنية على القدس. فقامت بإزالة المعابد الوثنية الكبيرة «التي تُعرف بآلهة الشمال العزّى من قبل السكان النبطيين والعرب المحليين». وبنت كنيسة القبر المقدس. وعندما زعمت هيلينا أنها عثرت على بقايا للصليب الحقيقي، تم وضعه هناك. أصبحت هذه الكنيسة المركز الجديد للقدس المسيحية، بينما أصبح جبل الهيكل تدريجيا مكانًا مهجورًا مع تمثال متهالك لزيوس.

وظل الحظر القانوني على اليهود في القدس قائمًا طوال حكم المسيحيين لها – يقول كول. وفي عام 614 ميلادية استولت الإمبراطورية الساسانية الإيرانية على القدس أثناء غزوها الشرق الأدنى. وفي عام 619 ميلادية استولت على مصر وحرمت الإمبراطورية الرومانية الشرقية «الموجودة الآن في القسطنطينية» من سلة الخبز الخاصة بها.

ويقال: إن اليهود الفلسطينيين ساعدوا الساسانيين، ففضلوا الإيرانيين الزرادشتيين على أباطرة الرومان المسيحيين المتعصبين. ثم يقال: إن الساسانيين قد عينوا يهودًا لحكم القدس حتى حوالي عام 619. وقد أغضب هذا المسيحيين الشرقيين المقيمين ضمن حدود الإمبراطورية الساسانية، وضغط أسقف المدائن لاستعادة المسيحية هناك. أذعن الإمبراطور خوسرو الثاني – الذي تقول أسطورة إنه كان لديه زوجة مسيحية – لكن تحت الحكم الإيراني من عام 614 – 629، كان لليهود الحرية في العيش والعبادة في القدس، وربما أسسوا مذبحًا مؤقتًا على جبل الهيكل.

استعاد الرومان السيطرة على فلسطين لفترة قصيرة منذ انتقال المسلمين العرب إلى الشرق الأدنى، وربما انتشر الإسلام بين القبائل العربية في شرق الأردن وفلسطين وسوريا. ثم قام القائد المسلم عمر بن الخطاب بالاستيلاء على القدس وزيارتها في 636-637 ميلادية.

دام الحكم الإسلامي منذ الحروب الصليبية وحتى الحرب العالمية الأولى – ينوه كول – حين استولى الجنرال إدموند ألنبي على القدس من الإمبراطورية العثمانية. كان المسلمون ينظرون إلى اليهود على أنهم جماعة دينية شرعية على العكس من الأوروبيين في عهد محاكم التفتيش الإسبانية، وهكذا كان لليهود الحرية في العيش في القدس، على الرغم من أن القليلين فعلوا ذلك؛ لأنها كانت مدينة صغيرة، فذهب العديد منهم إلى العواصم الإسلامية، مثل القاهرة، وفي وقت لاحق إسطنبول.

لذا ليس صحيحًا أن القدس كانت عبر التاريخ يهودية – يشدد كول. فعلى مدى مئات من السنين تحت حكم الرومان، سواء كانوا وثنيين أو مسيحيين، كانت المدينة خالية تمامًا من اليهود، على الأقل بموجب القانون. ومن المفارقات أن إيران والمسلمين هم الذين أنقذوا اليهود من هذا المنفى من القدس.

يختتم كول بالقول: «إن عرضًا أكثر شمولًا لقصة القدس العتيقة، ودخول الإسلام إليها، سيُنشر في كتابه الجديد المقرر في أكتوبر (تشرين الأول)».

المصدر : شفقنا .

مقالات ذات صلة