مواطن الضعف في الاقتصاد الأمريكي بعد تصاعد الحرب التجارية

مقالات | 26 يونيو | مأرب برس :

بعد الإجراءات التجارية التي اتخذها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في الأسابيع الأخيرة ضد العديد من الدول والتي كان آخرها تهديده للاتحاد الأوروبي بفرض رسومٍ إضافية بنسبة 20% على الواردات الأمريكية من السيارات الأوروبية، أكد معظم المراقبين بأن هذه الإجراءات ستكون لها تأثيرات سلبية كثيرة على الاقتصاد الأمريكي وهو ما صرّح به أيضاً مستشار ترامب “لاري كودلو”.

وكان الرئيس الأمريكي قرر فرض رسوم جمركية على استيراد الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والتي دخلت حيز التنفيذ منذ يوم الجمعة الماضي، وتسبب ترامب بتعكير جو قمة مجموعة السبع في “فانكوفر” الكندية بإعلانه فرض هذه الرسوم والتي قد تدفع الاقتصاد العالمي إلى شفير حرب تجارية.

وتشعر الكثير من الشركات الأمريكية بالقلق من أن الحكومة الصينية قد تخلق عقبات تنظيمية ومشكلات في شحن منتجاتها مع استمرار تصاعد التوترات بين بكّين وواشنطن بشأن خطّة الأخيرة فرض ضرائب بقيمة 50 مليار دولار على المنتجات الصينية.

وفي وقت سابق انتقد صندوق النقد الدولي الإجراءات الحمائية للرئيس الأمريكي، وأكد الصندوق في بيان أن القيود المفروضة على الواردات ستؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي ولاسيّما في قطاع التصنيع والبناء اللذين يستخدمان الألومنيوم والصلب.

وبدأ ترامب حرباً تجارية مع الصين التي ازدهرت اقتصادياً بشكل لافت على مدى العقدين الماضيين لإجبار هذا البلد الذي يُعدّ حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم على الخضوع لقرارات واشنطن، في وقت يعتقد فيه المراقبون بأن بكّين لا تنوي القيام بإجراءات من شأنها أن تقلل هذه التوترات لاعتقادها بأنها خصم لا يمكن لأحد أن يستهين به في الساحة الدولية، والاقتصادية على وجه التحديد.

وتمتلك بكّين الكثير من الأدوات التي تمكّنها من تحويل الأضرار القليلة من سياسة ترامب التجارية إلى ألم مرير لأمريكا خصوصاً وأن واردات الأخيرة من الصين قد وصلت خلال العام الماضي إلى ما يقارب 505 مليارات دولار، وفي حال استمرت الحرب الاقتصادية بين الجانبين، فإن أمريكا ستواجه نقصاً كبيراً في السلع الصينية المستوردة.

ويمكن للصين أيضاً ممارسة الكثير من الضغوط الاقتصادية على أمريكا، مستعينة في ذلك بالسلع غير المادية، كالسياحة والتعليم الجامعي والصناعات التي يستخدمها الأمريكيون أكثر من الصينيين، ووفقاً لبعض التقارير فإن أكثر من نصف الميزان التجاري لأمريكا البالغ 39 مليار دولار في مجال تبادل الخدمات مع الصين، يتعلق بالأموال التي ينفقها السيّاح والطلاب الصينيون في أمريكا.

في هذا السياق أعرب السيناتور الجمهوري “بن ساس” عن اعتقاده بأن سياسة ترامب الاقتصادية ستجر أمريكا إلى ويلات لا يمكن التكهن بنتائجها، واصفاً هذه السياسة بأنها أشبه بمعاقبة النفس التي تُعدّ من أحمق الطرق لمواجهة الخصوم.

ومن المعلوم أن خطّة ترامب فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية ستؤدي إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد في الداخل الأمريكي، إلى جانب زيادة نسبة البطالة التي هي مرتفعة بالفعل في هذا البلد.

من ناحية أخرى ستخسر أمريكا جزءاً كبيراً من عائدات شركاتها العاملة في الصين إذا احتدمت حدّة المواجهة التجارية بين الجانبين، كما يمكن لبكّين بيع السندات الأمريكية التي يشتريها الصينيون، وهذا الأمر سيشكل كذلك خسارة كبيرة لواشنطن بكل تأكيد.

وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الدول الأوروبية ردّت على إجراءات ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على عشرات المنتجات الأمريكية مثل (المشروبات والجينز والدراجات النارية)، والهدف من هذه الإجراءات “المضادة” هو تعويض 2,8 مليار يورو من أضرار الرسوم الأمريكية على الصناعات الأوروبية.

وتطبق الرسوم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على لائحة طويلة من السلع المنتجة في أمريكا، مثل المواد الزراعية كـ (الرز والذرة والتبغ) ومنتجات الحديد الصلب والنسيج وآليات ومعدات في مجال صناعة السفن، وينبغي الإشارة هنا إلى أن صادرات الاتحاد الأوروبي إلى أمريكا من الصلب بلغت 5,3 مليارات يورو، ومن الألمنيوم 1,1 مليار يورو العام الماضي “2017”.

أمّا على الصعيد الداخلي فيمكن إجمال الأضرار والخسائر التي سيُمنى بها الاقتصاد الأمريكي جرّاء سياسات ترامب بما يلي:

– ارتفاع أسعار البضائع والسلع نتيجة فرض ضرائب كبيرة على الواردات من الصين وبلدان الاتحاد الأوروبي والمكسيك ودول أخرى.

– فقدان 3.5 ملايين وظيفة على الأقل في أمريكا، ما يعني زيادة نسبة البطالة التي هي مرتفعة أساساً منذ عدّة سنوات.

– ستكون للقيود المتزايدة على التجارة العالمية التي فرضها ترامب آثار سلبية على ثقة المستثمرين في داخل أمريكا وخارجها بسبب ضعف الإنتاجية من جهة، وتراجع العائدات الذي سينجم عن تلك القيود من جهة أخرى.

– سيؤدي انسحاب أمريكا من الاتفاقيات التجارية وفرض رسوم على الاستيراد إلى رفع التكاليف على القطاعات الاقتصادية داخل أمريكا وخارجها ما يؤثر أيضاً على الموازين التجارية، وسيفضي بالنهاية أيضاً إلى ارتفاع في الأسعار وتراجع في النمو الإنتاجي.

من خلال قراءة هذه المعطيات وغيرها يبدو أن ترامب يسعى لإثارة الفوضى وزعزعة التوازن العالمي من خلال الأساليب الاقتصادية المتشددة، وبما أن باقي الدول تحاول إقناع أمريكا بالتراجع، فذلك يعني أنها تؤمن بأن ترامب قادر على إثارة الفوضى والتأثير سلباً على التوازن العالمي.

ويكاد يجمع المحللون والمعلقون الاقتصاديون على أن الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي هذا العام يأتي من السياسات التجارية التي يعتمدها الرئيس الأمريكي، معربين في الوقت نفسه عن اعتقادهم بأن قرارات ترامب الأحادية الجانب في هذا المجال ستؤثر بشكل ملحوظ على حريّة التجارة العالمية، ومن المتوقع أن يحدث ذلك شللاً في هذا المضمار، وربّما يصل الأمر إلى حدوث حرب باردة بين أمريكا من ناحية، وأوروبا والصين ودول أخرى من ناحية ثانية، ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن هذه الحرب في حال حصولها لا تصبّ في مصلحة أي طرف ولن يقتصر الضرر فيها على الدول المتحاربة وحدها.

“الوقت التحليلي”

مقالات ذات صلة