معركة الحديدة «ملغومة»: هل أكل «التحالف» الطعم؟

تقارير | 27 يونيو | مأرب برس :

منذ انطلاق معركة الحديدة، مطلع الأسبوع الفائت، أثبتت التطورات الميدانية العسكرية المتسارعة في الساحل الغربي، أنها معركة ملغومة بكل المقاييس، وخارج حسابات «التحالف» و«الشرعية»، حيث انحصر التقدم الذي أحرزته قوات «ألوية العمالقة» التابعة لقوات «المقاومة الجنوبية» السلفية الموالية للإمارات، والمسنودة بقوات «التحالف»، في منطقة الدريهمي، والمواقع القليلة المجاورة لها، وأصبح الحديث عن عملية «سريعة ونظيفة» مجرد تمنيات بعيدة عن الواقع.
ويرى مراقبون أن «منح المجتمع الدولي الضوء الأخضر للسعودية والإمارات لخوض معركة الحديدة، لم يكن سوى مجرد ورقة ابتزاز، أكثر من كونها ورقة ضغط، لمعركة يدرك المجتمع الدولي، أنها ستكون خاسرة»، في حين يؤكد عسكريون، أن «حسابات التحالف للمعركة كانت مغلوطة، وخارج حساباتها العسكرية والسياسية».
وبين هذا وذاك، يشير سياسيون إلى أنه «ليس أمام المجتمع الدولي اليوم، إلا مهمة الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القتال، والذهاب نحو الطاولة لاستئناف المفاوضات السياسية، وهو ما تظهره تحركات غريفيث، الذي فيما يبدو فقد بوصلة الطريق. وتبقى النتيجة الحتمية للمعركة، المزيد من الضحايا، وكارثة إنسانية محققة». فهل أكل «التحالف» الطعم؟ وما هي الحسابات المغلوطة التي لم توقعها في المعركة؟

ورقة ابتزاز 

مصادر سياسية مطلعة، في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، أكدت في حديث إلى «العربي»، أن «تحرير الحديدة، معناه بداية النهاية للأزمة اليمنية، وقرار معركة الحديدة وإنهاء الأزمة اليمنية، ليس بيد التحالف ولا الشرعية، بل بيد صناع القرار الدولي».
وأكدت أن «منح الضوء الأخضر الدولي للتحالف بإقتحام الحديدة، ليس سوى ورقة إبتزاز أكثر من مجرد ضغط على الأطراف للذهاب نحو مفاوضات سياسية، وتسوية فقد بوصلتها المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيث».
وأوضحت المصادر، أن «المجتمع الدولي لا يريد أي طرف أن يحسم الحرب، لأن الحسم من أي طرف سوف يحدد معالم الحل السياسي، وهو ما لا يريده صناع القرار الدولي، وما يهمهم هو عدم تضرر مصالحهم في البحر».
وأفادت بأن «التحالف العربي أطلق المعركة من دون أي حسابات إنسانية أو عسكرية، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي للتحذير من استمرار المعركة، التي ستنذر بكارثة إنسانية، تهدد المدنيين، بينما في الحقيقة، هي مساعي واضحة لتوقيف المعركة، والتي سيتم إلزام الرياض وأبو ظبي بقبول رقابة أممية على ميناء الحديدة، بدلاً من مطلبهما بتحرير الحديدة ومينائها وتسليمها للشرعية».

حسابات مغلوطة

على المستوى العسكري، تقول المعلومات المؤكدة، إن «المعارك توقفت منذ ثلاثة أيام في منطقة الدريهمي ومحيط المطار، عدا إشتباكات متقطعة لن تسفر عن أي تقدم يذكر لأي طرف، في حين تراجعت معظم القوات المشتركة الموالية للتحالف، إلى الخط الرابط بين مدينة الخوخة والدريهمي، بعد تمكن قوات «أنصار الله» من السيطرة على المشيخية، الواقعة بين المجيليس والجاح، ومحاصرة بقية قوات «العمالقة» في محيط المطار في الدريهمي، والتي لم يتبقى لها سوى المنفذ البحري فقط»، بحسب المصادر.
ووفقاً للتقديرات العسكرية والسياسية، والمؤشرات الميدانية للمعركة، فإن «التحالف العربي أطلق المعركة بحسابات سياسية مغلوطة ومتقاطعة، إلى جانب التخطيط العسكري الهش».
الناشط السياسي، محمد الطاهري، أكد في حديث إلى «العربي»، أن «رضوخ الشرعية للحل السياسي، الذي لا يضمن خروج الحوثيين من الحديدة، يعتبر خسارة سياسية وعسكرية في نفس الوقت، بالإضافة إلى الخسارة المتمثلة في فقد الشرعية والتحالف للمصداقية أمام الرأي الشعبي، الذي سيقوي الحاضنة الشعبية للحوثيين في جميع المناطق التي يسيطرون عليها».
واعتبر الطاهري، أن «توقف التقدم العسكري قبل تحرير الحديدة، يعتبر صفعة قوية في وجه الشرعية، والتحالف العربي، المساند لها»، لافتاً إلى أن «تمدد القوات التابعة للشرعية والتحالف، على طول الشريط الساحلي من المخا وحتى مشارف الحديدة، سيجعل من هذة القوات صيداً سهلاً لقوات الحوثيين، وهنا ستكون الخسائر فادحة جداً، على الرغم من عدم تحقيق الهدف المعلن، وهو تحرير الحديدة».
أما الكاتب والصحافي، عصام القيسي، فيذهب في حديث إلى «العربي» إلى القول، إن «معركة الحديدة تأتي ضمن سعي التحالف والإمارات تحديداً، للسيطرة على موانئ اليمن وتهيئة الطريق للبديل الثالث عن الشرعية والحوثيين، بقايا النظام السابق المرضي عنه من قبل الإمارات تحديداً». ويؤكد أن «التحالف لم يخطط لها جيداً، وهو ما قد تؤدي خساراتها إلى تمكين الحوثي أكثر وأكثر وتعزيز موقفه في الداخل والخارج».
ويضيف أن «معركة الحديدة تحت راية غير راية الشرعية، وأي معركة خارج أجندة الشرعية فهي نوع من العبث الذي لا يخدم اليمن».
وفي السياق، أفادت مصادر ميدانية في «المقاومة الجنوبية»، في حديث إلى «العربي»، أن «قوات المقاومة المشتركة مسنودة بقوات التحالف العربي، كانت قد تمكنت من الدخول إلى أطراف المطار عبر البوابة الغربية، غير أن كثافة الألغام والنيران الكثيفة التي شنتها القوات الإنقلابية، أعاقت تقدمها باتجاه مباني المطار المختلفة و برج المطار، واضطرت للإنسحاب إلى محيط المطار». وأضافت المصادر، أن «قوات المقاومة المشتركة حققت أيضاً تقدماً باتجاه دوار المطاحن، شرق المطار، عبر طرق رملية مستحدثة من دوار الحديدة في الدريهمي، ووصلت إلى قرب مزرعة الحمادي، غير أن كثافة النيران والكمائن التي تعرضت لها أوقفت تقدمها في هذا الاتجاه». وأوضحت المصادر، أن «المعركة مستمرة وليس هناك تراجع بقدر ما هو حذر من كمية الألغام المهولة بالمطار والتي فاقت كل التوقعات والحسابات». وأكدت المصادر أن «هناك عملية عسكرية قادمة ستغيير موازين المعركة».
وأشارت المصادر، إلى أن «خطة التقدم من الدريهمي لم تكن موفقة، لأنها نقلت المعركة إلى وسط الأحياء السكنية، والتي سيكون القتال فيها حرب شوارع تحتاج إلى وقت أطول أو القتال بسياسة الأرض المحروقة، والتي سوف تؤدي إلى أضرار إنسانية كارثية بالمدنيين، وهو ما لم تقدم عليه قوات التحالف أخلاقياً».
وكشف المصادر عن أن «القوات المشاركة في العملية القادمة مكونة من أربعة ألوية من قوات العمالقة، وهي قوات اللواء أول عمالقة، بقيادة رائد الحبهي اليافعي، واللواء الثاني عمالقة، بقيادة حمدي الصبيحي، واللواء الثالث عمالقة، بقيادة عبدالرحمن اللحجي، واللواء الخامس عمالقة، بقيادة أبو هارون اليافعي، بالإضافة إلى لواء باب المندب، بقيادة لؤي عوض الزامكي، ولواء من قوات التحالف العربي». لافتتا إلى، أن «قوات طارق صالح لن تشارك في العملية القادمة بسبب الأخطاء العسكرية الفادحة التي تسببتها وأدت إلى وقوع ألوية العمالقة في فخ وحصار مطبق من جانب الحوثيين».

معركة ملغومة

وبالمقابل، يشير عسكريين، إلى أن «معركة الحديدة أثبتت نجاح التخطيط العسكري لقوات أنصار الله، على الرغم من الفارق في التسليح وعدد الأفراد»، مؤكدين على أن «دخول سلاح الجو المسير على الخط في المعركة، إضافة إلى التدريب العسكري المتفوق للمقاتلين، فاجئ القوات المهاجمة، وأربك تحركاتها العسكرية».
الخبير في الشؤون العسكرية، العميد الركن عابد الثور، أكد في حديث إلى «العربي»، أنه «ومنذ إعلان النصر الذهبي قبل 12 يوم تبنت الإمارات هذه المعركة لدحر قواتنا من الجيش واللجان والاستيلاء على الساحل الغربي، ومحاولة السيطرة على المطار، من خلال الأعداد الكبيرة من الخونة والمرتزقة الذين استأجروهم واستطاعوا أن يوضفوهم على شكل ألوية ووحدات عسكرية لتقوم بمعركة برية».
ويضيف الخبير في الشؤون العسكرية: «لقد خسر العدوان ومرتزقتهم في الساحل الغربي، خلال فترة لا تتجاوز الـ 12 يوماً، الكثير من الآليات والمعدت التي وصلت إلى قرابة 331 آلية، وهي أرقام تعتبر كبيرة في العلوم العسكرية، كما أنها تعتبر إنجاز لقواتنا التي ترابط على طول الساحل الغربي وبإمكانيات بسيطة استطاعت تطويرها والتعامل مع كل أصناف أسلحة العدو وحداثتها». وأوضح الخبير في الشؤون العسكرية، العميد الركن عابد الثور، أن «العدو استطاع أن يحقق انتشار على الساحل في منطقة الفازة والتحيتا والجاح الأسفل، ولكن ليس بتلك القوات التي تستطيع التمركز والتحشد لأيام أو أسابيع. كان التحشد في الفازة، كمنطلق رئيسي لقواتهم، من باب أن الإنزال البحري كان سينجح، وأن البارجات كانت ستحقق تقدم في آخر يوم من شهر رمضان الفائت، ولكن كانت الضربة القوية للبارجة واستهدافها في العمق، خسارة منيت بها قواتهم، من قبل قواتنا البحرية وخفر السواحل، وفوتت الفرصة على أن يحققوا أي تقدم في المياة الإقليمية، على الرغم من تكرار تحذيراتنا عن أي هدف سيصل إلى مياهنا الدولية، سيكون هدفاً مشروعاً، وحتى الأهداف المدينة التي تقترب من الأهداف العسكرية لغرض تزويد هذه الوحدات أو السفن والمركبات البحرية بمعدات وغيرها تعتبر هدفا لنا».
ويشير العميد الركن، عابد الثور، إلى أنه «رغم الغطاء الجوي القوي والمكثف لطيران العدو، أو المعلوماتي الذي تؤمنه أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا، لقوات التحالف وعلى رأسها السعودية، فإن قواتنا استطاعت أن تتعامل مع أسلحة العدو المتطورة، في مسرح المعركة بحرفية عالية وتكتيك عسكري مناسب، منعت العدو من تحقيق أي محاولة تقدم أو إختراق».
ويؤكد الثور، على أن «دخول الطيران المسير على الخط، كان له الأثر الكبير في المعركة، والذي حجم من تحرك العدو، حيث تمكن الطيران المسير المقاتل قاصف1، قبل ثلاثة أيام، أن يستهدف أرتالاً عسكرية كانت قادمة من شمال الفازة والخوخة بضربات نوعية، بالإضافة إلى وحدات القناصة والتي كان لها أثر كبير في تأمين خطوط التماس المباشرة مع العدو، والتعامل مع الأهداف البشرية والآلية بدقة عالية وخطة محكمة»، لافتاً إلى أن «قواتنا لا تستطيع أن تخوض المعركة بقوات عسكرية منظمة بسبب فارق التسليح، ولكن تستطيع أن تحقق تمركز لقوات ودفاعات متحركة، وهجوم متحرك متتالي، وأن تتابع كل تحرك العدو وعتاده وسلاحه وإعداده، وأن تكون كل الضربات التي نوجهها للعدوا على طول الساحل نوعية، وأصبح العدوا المكون من قرابة 17 دولة، بترساناتهم واسلحتهم النوعية والمتقدمة، اليوم تحسب لقواتنا ألف حساب».

(العربي)

مقالات ذات صلة