صفقات الأسلحة وحرب اليمن … حتى يجفّ ضرع البقرة

متابعات | 14 سبتمبر | مأرب برس :

«السعودية دولة ثرية جداً، وسوف تعطي الولايات المتحدة بعضاً من هذه الثروة كما نأمل، في شكل وظائف، وفي شكل شراء معدات عسكرية». هذه واحدة من الإهانات التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي استقبله في واشنطن في 20 مارس 2018م. وبطريقة مثيرة، وعبر ألواح عرضها أمام الصحافيين، كانت توضع بعكس وجه ولي العهد، وأمام جسمه، قدّم ترامب نبذة عن الأسلحة، وقال: «إنها من أجل حمايتكم».

لا يختلف ترامب عن سابقية من رؤساء الولايات المتحدة والـ«دراكولات» التي تتخفى خلف تمثال الحرية، ولكنه الأكثر جرأة ووضوحاً في الكشف عن حقيقة النظام الأمريكي الذي يغذي خزائنه بأموال طائلة من صفقات سلاح لا تتوقف ولا تكترث لجرائم الحرب التي ترتكب بهذه الأسلحة.

صفقات بيع الأسلحة التي وقّعها ترامب مع السعودية، التي تقود حرباً في اليمن للعام الرابع، بلغت قيمتها 110 مليار دولار، لكنها في نظره لا تمثل «سوى الفتات»، ففي طريقه إلى البيت الأبيض في مايو 2015، وصف ترامب السعودية بـ«البقرة الحلوب»، معتبراً أنها ذهب ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، وطالب السعودية بدفع ثلاثة أرباع ثروتها مقابل الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لها داخلياً وخارجياً.

ذخائر أمريكية

بعد اعتراف نادر من «التحالف» العسكري بقيادة السعودية، بأن الضربة الجوية على حافلة تقل أطفالاً في مدينة ضحيان بمحافظة صعدة «لم تكن مبررة»، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدول المصدّرة للأسلحة إلى السعودية، بتجميد مبيعات الأسلحة لها «فوراً».

وقالت المنظمة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني إن «الغارة الجوية لقوات التحالف بقيادة السعودية والتي قتلت 26 طفلاً وأصابت 19 آخرين على الأقل داخل أو قرب حافلة مدرسية في سوق ضحيان المزدحم بمحافظة صعدة، في شمال اليمن، في تاريخ التاسع من أغسطس الماضي، يبدو أنها جريمة حرب».

وأضافت المنظمة الحقوقية الدولية أنه «منذ تصاعد الصراع في اليمن في مارس 2015، نفذ التحالف عدة غارات جوية في انتهاك لقوانين الحرب دون إجراء تحقيقات متابعة كافية، وهو ما يضع موردي الأسلحة تحت خطر التواطؤ في جرائم الحرب»، مشيرة إلى أنها حددت ذخائر من أصل أمريكي في مواقع 24 هجوماً غير قانوني على الأقل لـ«التحالف» في اليمن.

وتفيد التقارير بأن الولايات المتحدة تعمل على تسليم ما قيمته 7 مليارات دولار من ذخائر دقيقة التوجيه إلى السعودية والإمارات، بحسب ما ذكر البيان.

وفي هذا السياق، قال بيل فيد إسلفد من المنظمة: «يُضاف هجوم التحالف بقيادة السعودية على حافلة مليئة بالأطفال إلى سجله الشنيع في قتل المدنيين في حفلات الزفاف والجنازات والمستشفيات والمدارس في اليمن»، وأوضح أن «الدول التي لديها معرفة بهذا السجل، ممن تزود السعوديين بالقنابل، قد تعتبر متواطئة في الهجمات المستقبلية التي تقتل المدنيين».

وتابع المسؤول في المنظمة أن «أي مسؤول أمريكي يعتقد أن منع السعودية من قتل المزيد من الأطفال اليمنيين سيتم من خلال وقف بيعها المزيد من القنابل عليه مشاهدة فيديوهات الهجوم على الحافلة في ضحيان».

لوائح مشبوهة

واشنطن ليست الطرف الغربي الوحيد المتداخل في حرب اليمن، وإن كانت الطرف المباشر والأكثر وضوحاً. وإذا كانت إدارة ترامب عازمة على مواصلة دعم السعودية والإمارات في حربهما على اليمن، فماذا عن باقي اللاعبين الغربيين؟

بريطانيا، وعلى الرغم من الضغوط المستمرة التي تتعرّض لها حكومتها لوقف إمداد الأسلحة والذخائر للحرب السعودية في اليمن الفقير، وأبرزها حملة مناهضة تجارة الأسلحة المعروفة «كات»، التي تسعى لاستصدار أمر من المحكمة العليا في لندن لوقف تراخيص تصدير الأسلحة إلى السعودية، رغم كل تلك الضغوط، لا تُظهر دينامية تجارة الموت الحاكمة لعلاقة بريطانيا مع الرياض أي علامة على التراجع إلى اليوم، وقد بدا ذلك واضحاً خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بريطانيا في مارس الماضي، حيث هيمنت صفقات الأسلحة على جميع عناوين الزيارة. كما كشفت صحيفة «غارديان» في يوليو الماضي عن «استخدام بريطانيا لوائح تجارية مشبوهة في السنوات الأخيرة حتى تتمكن من تصدير كميات كبيرة من الأسلحة إلى السعودية دون أن يفتضح أمرها»، وأشارت إلى أن «هذه الأسلحة تستخدم حالياً في قصف أهداف مدنية في اليمن».

وقال أندرو سميث، من حملة مكافحة تجارة السلاح «كات» إن «بريطانيا قد باعت أسلحة بما يقدر بـ 4.6 مليار استرليني إلى السعودية وحدها منذ بدء حرب اليمن، وأكدت الأدلة التي تم العثور عليها في مسرح المجازر في اليمن أن بعض الأسلحة هي أسلحة بريطانية الصنع، بما في ذلك القنبلة الذكية (بافيواي إيف) الموجهة بالليزر».
وسبق للحكومة البريطانية في العام 2008 إغلاق ملف التحقيقات في صفقة «اليمامة» الشهيرة تحت دعاوى الأمن القومي.

النفط والسلاح

الحكومة الألمانية هي الأخرى، وعلى الرغم من الأصوات المعارضة لتصدير الأسلحة إلى مناطق النزاعات، وافقت على تسليم 8 غواصات حربية للسعودية. كما أظهر رد للحكومة الألمانية على استجواب لكتلة حزب اليسار في البرلمان الألماني أن السعودية كانت في الربع الأول من العام الحالي 2018 المستورد الأول للأسلحة الألمانية في العالم.

وكمؤشر على العلاقة الوثيقة بين صفقات الطاقة والسلاح التي تبرمها السعودية مع شركائها، ما يجري حالياً مع باريس، حيث تتزامن المفاوضات الصعبة التي تجريها شركة «توتال» الفرنسية مع «أرامكو» السعودية حول توسعة مجمع البتروكيماويات «ساتورب» في الجبيل، مع سعي الرياض للحصول على صفقة سلاح فرنسية.

كما تراجعت إسبانيا عن موقفها من بيع 400 قنبلة موجهة بالليزر للسعودية بقيمة 9.2 مليون يورو. فبعد أسابيع من إعلان مدريد إلغاء الصفقة إثر القصف الذي قام به «التحالف» الذي تقوده الرياض في أغسطس الماضي على السوق الشعبية في مدينة ضحيان، والذي خلّف عشرات القتلى والجرحى من الأطفال، أبدت إسبانيا في 10 سبتمبر الجاري استعدادها للإفراج عن شحنة الأسلحة، وذلك للحفاظ على علاقتها مع الدولة النفطية وتفادي أزمة مفتوحة شبيهة بالأزمة بين كندا والسعودية. وكذا الحفاظ على صفقة أهم بقيمة 1.8 مليار يورو، تشتري بموجبها الرياض 5 بوارج أنعشت شركة أحواض بناء السفن الإسبانية العامة «نافانسيا».

وحاولت وزيرة الدفاع الإسبانية كارمي تشاكون تهدئة الأمور فاتحة المجال أمام تسليم الـ400 قنبلة. وقالت إن العقد ستتم دراسته ثنائياً «بشكل جاد وفي إطار العلاقة الجيدة بين البلدين»، مؤكدة أن الخلاف «سيحل بشكل ودي».

لتعاود منظمة «العفو الدولية» معارضة الصفقة من جديد. ودعت في بيان لها مدريد إلى إلغاء تسليم الأسلحة طالما استمر خطر استخدامها «في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي أو تسهيل ارتكاب الانتهاكات». وقال ألبرتو استفيز، المتحدث باسم حملة المنظمة ضد بيع أسلحة للسعودية إن «قنابل مثل هذه تًستخدم في عشرات جرائم الحرب في اليمن».

إقتصاد الحرب

تفشل الدعوات الحقوقية والحملات الإنسانية في وقف بيع الأسلحلة لـ«تحالف الحرب» في اليمن، ويرجع «المجلس الأطلسي» (مؤسسة بحثية) السبب في ذلك إلى أن «الواقع السياسي والشهوة بعد الكسب المالي، قد أملأت سياسات القوى الكبرى، ودعتهم لتجاوز الضرورات الأخلاقية والقانونية، حيث تم وضع المخاوف من موت الأطفال وانتشار الأمراض والمجاعة، فضلاً عن الإرهاب، جانباً، لصالح صفقات الأسلحة المربحة وفرص الاستثمار المغرية في سراب الصحراء»، محملاً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة «المسؤولية الأكبر، بعد أن زودتا السعودية والإمارات بالكثير من الأسلحة واتخذتا جانباً فعالاً في هذا النزاع، بدلاً من التوسّط في وضع حد له».

وفي هذا الإطار، قال الناشط الحقوقي والمدير التنفيذي للمنظمة اليمنية «مواطنة»، عبدالرشيد الفقيه، لـ «العربي» إن «سلوك الإدارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها من الدول المصنّعة للسلاح، في التعامل مع الأزمات والصراعات كما هو حاصل في اليمن، يؤكد أن عدداً من دول العالم الأول تتغذى اقتصادياتها على الحرب والصراعات، التي تطحن وتستنزف مجتمعات أخرى».

وأضاف أن «حرب اليمن كشفت الصورة الحقيقية لعالم اليوم ونظامه الجديد، ومن يهيمنون عليه ويحركون دفته، حيث تسود نقائض التراكم الإنساني الخلاق، المتمثلة بعالمية قيم حقوق الإنسان والعدالة والتعايش والسلام، وتطغى ازدواجية المعايير واستثمار مآسي المجتمعات والعمل على ضمان ديمومتها كمصدر ثراء، وكأنه لا يمكن لهذه المجتمعات أن تعيش مزدهرة وآمنة إلا على حساب حياة وأمن مجتمعات أخرى».

البقرة السمينة

ومع زيادة نهم السعودية ومن بعدها الإمارات لاقتناء أحدث الأسلحة، مهما كان الثمن، لدعم سياساتهما المتهورة في المنطقة وحربهما المتعثرة في اليمن للعام الرابع، ومع تعطّش الولايات المتحدة والحلفاء الأوربيين للرياض وأبوظبي لبراميل النفط الخليجي والمال القادم من تجارة الموت، ومع استمرار هيمنة مجمعات التصنيع العسكري على القرار السياسي وابتزاز السياسيين بالوظائف والعوائد التي تخلقها صناعة القتل والدمار، ستطول الحرب في اليمن، وتتواصل مقايضة البارود بالبترول، مهما كلّف ذلك من ضحايا، سواء أكانوا من اليمنيين الذين يُقتلون بالأسلحة «الذكية»، أو حتى من السعوديين والإماراتيين الذين تهز تداعيات الحرب ديارهم، وسيستمر «حلب البقرة» بتعبير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي نقل عنه موقع «awdnews» الألماني في 2 سبتمبر 2015 قوله: «علينا حلب المملكة السعودية السمينة قدر الإمكان، وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمي الفائدة، يتوجب علينا مغادرة الشرق الأوسط».

(فايز الأشول – العربي)

مقالات ذات صلة