‎كرم مبادرة صنعاء وعسر فهم الرياض

د. أحمد الصعدي

 

بعدَ أن بات جلياً للقاصي والداني أن تحالُفَ العدوان والغزو والاحتلال فقد قوةَ الدفع، ثم انتقل إلى التراجع والتآكل الذاتي، وتشوّهت صورتُه على النطاق العالمي ولم تفلح ملياراتُه في تلطيف روائحه النتنة. وبعد أن بات واضحاً ومقنعاً للقريب والبعيد أن قوة اليمن قد تنامت على مختلف الأصعدة، وصار قادراً على إيلام كُـلّ تحالف البغي من الرياض إلى واشنطن، كما حدث في ضربة أرامكو فجرَ الرابع عشر المبارك من سبتمبر.

بعدَ كُـلِّ ذلك، كان ينتظر أن ترفعَ صنعاءُ نبرةَ خطابها وهي تهوي بمطرقتها على رأس النظام السعودي المتعجرف. غير أن صنعاءَ فاجأت الجميع بالمبادرة التي أعلنها رئيسُ المجلس السياسي الأعلى مهدي المشَّـاط في العشرين من سبتمبر، التي توخّت حقنَ الدم وتجنُّبَ المزيد من الدمار للجميع.

ومن كرم المبادرة أنها لم تقل: توقفوا لنتوقف، ولم تشترط إيقافاً للقصف بين البلدين متزامناً، بل أعلنت توقفَ ضربات الطيران المسيّر والصواريخ اليمنية على السعودية المعتدية من طرف اليمن المعتدَى عليه، وانتظرت الردَّ المماثلَ.

ولأن المبادرةَ جاءت من موقع القوة فقد رحّبت بها الأممُ المتحدة ممثلةً بالسيد مارتن غريفيث، والاتّحاد الأوروبي، وحتى السفيرُ البريطاني لدى اليمن المعروف بحماسه الصبياني للعدوان وجرائمه ومراميه. غير أن مشكلة الرياض -أمام هذا العرض اليمني الشهم والنبيل- تكمُنُ في معدة عقلها الرخوة التي تعودت على التعامل مع اليمن بوصفه لقمةً سهلةَ المضغ والبلع والهضم، فوجدت نفسَها اليومَ أمام يمنٍ جديدٍ مختلفٍ، بُعِثَ كالمارد من بين ركام عقودٍ من التجويف المادي والمعنوي وسنواتٍ من القصف والقتل والدمار والحصار والتجويع والإفقار، ولا يستطيع السعودي أن يتخيَّلَ نفسَه جالساً للتفاوض مع يمني لا يقبَلُ بأقلَّ من الندية ومعامَلَةٍ بالمثل: احترامٌ مقابلَ احترام، وأمنٌ مقابل أمن، وحُسن جوار مقابل حسن جوار، والسِّنُّ بالسن إذَا اعتدى وجارَ الجارُّ. ‎

مقالات ذات صلة