وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ

لو أتى الإنسان ليقدِّم وجهة نظرٍ أخرى: فيعتبر أنه من الممكن الطاعة لهم، دون أن يكون لهذه الطاعة أي تأثيرات على انتمائك الإيماني، ويمكن التولي لهم، والوقوف معهم في موقفهم، والتحالف معهم، دون أن يحصل عليك هذا التوصيف، دون أن تتحول إلى هذا المستوى في بُعدك عن انتمائك الإيماني إلى درجة أن يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، فإنَّ هذا كفرٌ بالقرآن، ردٌ لآيات الله -سبحانه وتعالى-،
الذي يتصور أنَّ بإمكانه الطاعة لهم، وأن يبقى مؤمناً كامل الإيمان، ويطيعهم ولو في بعض الأمر، والذي يتصور أن بإمكانه أن يتحالف معهم، وأن يواليهم، وأن يقف معهم في مؤامراتهم ضد أبناء الأمة، وبتصوره أنَّ هذه مسألة تصفية حسابات مع هذا الطرف أو هذا أو ذاك الطرف من أبناء الأمة، فهو هنا هو يتصور أنه سيبقى سليم الولاء لله -سبحانه وتعالى-، وأنه سيبقى أيضاً على مصداقيةٍ في انتمائه للأمة؛ فهو يكفر بقوله -سبحانه وتعالى-، ويجحد بقوله -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.

هذه النتائج التي تترتب على مسألة الطاعة، وتترتب على مسألة الموالاة لهم، هي نتائج حتمية، لا شك فيها، لا مرية فيها، فلا يمكن أن يتجه الإنسان هذا الاتجاه، إلَّا وتكون النتيجة هي هذه النتيجة؛ لأن الذي يقول لنا ذلك ليس محللاً صحفياً، وليس زعيماً سياسياً، إنَّ الذي يقول لنا ذلك هو الله -سبحانه وتعالى- في محكم آياته، في كتابه المبارك، في كتابه (القرآن الكريم) الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: من الآية 42]، أفلا ندرك خطورة هذا الأمر؟ أفلا ندرك خطورة هذه المسألة؟ فكيف تتحول هذه المسألة إلى جدل كبير، وانقسام واضح في واقع الأمة، فيتجه البعض من أبناء الأمة في تحالفات واضحة مع أمريكا ومع إسرائيل، ويتجه البعض من أبناء الأمة إلى التنصل عن أي موقف تجاه هذا الخطر، وإلى معارضة ومعاداة من يتبنى موقفاً على ضوء آيات الله -سبحانه وتعالى-، على ضوء توجيهات القرآن الكريم، على ضوء هدي الله المبارك، معارضته، والإساءة إليه، والتشكيك في موقفه، والمعارضة الصريحة والواضحة له؟

ولاحظوا لأن المسألة هي- بالفعل- ليست مجرد موقفٍ عارض، بل مسألة يبنى عليها التوجهات، تبنى عليها المسارات العملية، تبنى عليها المواقف المستمرة، تتحول إلى منهجية عمل، وإلى مسارٍ في الطريق إلى نهايته، إلى آخره، ليست المسألة مسألة مجرد موقفٍ محدود، فالبعض من أبناء الأمة الذي يتجه في اتجاه المسارعة في الموالاة لهم عن طريق التولي المباشر، والعمل المباشر بالتحالف معهم، بالتأييد لهم، بالوقوف في موقفهم ضد أبناء الأمة، بالتحرك ضمن مؤامراتهم على أبناء الأمة، هو يبني على ذلك سياساته الإعلامية، مواقفه السياسية، تحركاته العسكرية، نشاطه الثقافي والفكري، ويتحول هذا كبرنامج رئيسي يتحرك على ضوئه في واقع الحياة، وليس مجرد موقفٍ هامشيٍ عارض تحدَّثوا عنه في صحفية مرةً واحدة، أو قالوا عنه شيئاً، بل يتحول هذا الولاء إلى برنامج عملي يحكم بقية الأمور: يحكم الثقافة، يحكم المناهج، يحكم السياسة الإعلامية، يحكم الخطاب الديني، يؤقلم معه الخطاب الديني حتى في خطب الجمعة، حتى فيما يركز عليه في تلقين وتثقيف الناس، فتتحول المسألة بكلها إلى مسألة تحكم المسار العملي لذلك الطرف الذي يتجه هذا التوجه السلبي.

المحاضرة الرمضانية الثامنة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1441هـ 22-05-2020

مقالات ذات صلة