بين مرفأ بيروت وعطان صنعاء

زينب إبراهيم الديلمي

 

في مكامنِ الجراح الثّخين بجمرِ الآلام، تتسلل أهوالُ المصائبِ في وسطِ الأمم المُستضعفة التي قاومت كُـلّ أشكالِ الأحزان بسلاحِ الصّبر، وإن تلكَ النّيران القبيحة التي سَلَبت حلّة وجمال أرض الله المعمورة وطبيعتها الخلاّبة وجبالها الراسية وسُكّانها الآمنين، مَـا هِي إلّا غصّة صبرٍ ابتُليَت بغمِ الشّدائد؛ لكي لا تُجدَبَ كيانها من قوتِ الإيمان المُطلق للخالق جلَّ وعَلا، ولتحفر قصّتها بأنامل الزّمن أنّ بضاعةَ الصّبر المُزجاة بالثّبات والإباء أوفتْ كيلَها للقلوبِ المزجورة بالمصائبِ بكَيلِ النّصر على المصائب وَالمصاعب.

 

في مرفأ بيروت.. حكايةٌ مأساويّة ترفعُ آياتِ النّوح والعزاءِ على مُصابها الجَلل، شراراتُ اللّظى أشبهُ بقنبلةٍ نوويّة عَصَفت بقُبح نيرانها المُشمئزة جمال بيروت ويديها المحتضنتين البحار المسجورة وشواطئها، والبيوت الآمنة وسُكّانها الذين يبتهجونَ في أَيَّـام العيد بالتأمُّل في مناظرِ الجمال الإلهي التي وضعَها اللهُ تعالى وسخّرها في سبيلِ الشُّكر والثّناء على نعمه الوفيرة، تلكَ الرُقعة البسيطة أصبحت مُشتعلة وحزينة، وشُحِبتْ جمالهُا وتُلِفتْ منازُلها وتَفتتت عظامُ أهلها، خرابٌ قاتمٌ تكدس قلبَ عاصمة الإباء بيروت بالحُزن النّازف دماً، أشلاء مُتعثرة ومجهولة تنتظرُ من ينتشلُها من رُكامِ الدمار إلى لحد مرقدها الأبديّ، ولم تُرخِ سدول شمسها المُظلمِ بغمامِ الأدخنة الخانقةِ إلّا بالألمِ والأنينِ الشّاحب بحنجرةِ المأساة.

 

وفي عطّان صنعاء.. كانتْ هي المُصابُ الأول والحكايةُ المُبكيّة التي أغمي على ضمير العالم بالصّمت واللامُبالاة، وكانت بيروت هي من شاطرت حُزن صنعاء بهذه الفاجعة التي حلَّت بها، قُنبلة نيترونيّة وشَحَت بفتكِها الخبيثِ على أوتادِ جبل عطّان الراسي الذي كان أقوى منها، وبضخامةِ حجم لظاها اهتزت ورَبَت عاصمةُ الصّمود، تلك المنازل جَثَت على الأرض خراباً، والأشلاء والدماء تساقطت فوقَ رُكامِ الموتِ، وأهلُ الحيّ تلك يركضون وراء البحثِ عن أقاربهم مُتلهفينَ ولم يعثروا على شيء إلّا رميم العظامِ المبتورة، ودماء أشبه بنهرٍ راكد تروي ظمأ الثّرى المُتراكمة بالأحجارِ والأشجار، وسَيماء وجه الصّباح ذلك اليوم عبوس تموّجت به سوادُ دُخان الإجرام إليها.

 

لا يُخالجنا الشّك أنّ إسرائيل ويدها اليُمنى أمريكا هُما وراء هذه المذبحتين الشّنيعتين اللتين ذبحتا وريد صنعاء وبيروت بسكاكينهما الإجراميّة، وخشيةً من ألسُنِ الفضاءِ المفتوح وتهرُّباً من هذه الجريمتين يسدل العدوّ سوأته بوشاحِ الذُلّ والاستكانة، ويُبرئ نفسه من جريرتهِ القبيحة ليقُول بأنّه غيرُ مسؤولٍ عن هذه الجرائم وأنّها خارجة عن إرادتهم، جريرة نَضحَت أفعالهم الأسوأ في تاريخ البشريّة، وتخضبت وجوههم السّوداء بألوانِ القُبحِ والنّتانة.

 

اليوم صنعاء وبيروت أصبحتا توأمتي الحُزنِ وشريكتي المُصيبة، أصبحتا تتوالدان في المظلوميّة، والإباء، والصّبر، والتضحيّة، وَتساوتا في النّارة والشّرارة التي اتقدت في أحشائهما، أصبحتْ أرقام ضحاياها وشهدائها وجرحاها مُتطابقة، كيف لا وهُما نفسُ المبدأ، ونفسُ النَّهج، ونفسُ الطريق ونفسُ القيادة، حكاياتهما أشبهُ بهيروشيما، لكنّهما ذاتا قوّة متينةٍ مُستقية بالثّبات والتأييد الإلهي.

 

وفي مُصابِ بيروت الجلل، نحنُ في اليمن الجريحِ نُشاطرَ حُزن من شاطرونا في حُزننا، ونقفُ مع من وقف معنا يومَ لم يكُن لنا ناصرٌ ولا مُعين سوى الله تعالى، وكانوا أول الصّفوف نصرةً لنا بعد الله، وكانوا أول المواجهين لمؤمركات الصّهاينة وَالأمريكان، وستظل صنعاء وبيروت الأمل الموعود في سحقِ المؤامرات ونسف كُـلّ المخطّطات الشيطانيّة.

مقالات ذات صلة