شهداؤنا مصابيحُ نورٍ لا تنطفئ

|| مقالات || عبدالقوي السباعي

الشهادةُ في سبيل الله من النِّعَمِ الإلهية العظيمة، والمِنح الربانية الجزيلة، التي وهبها اللهُ سبحانَهُ وتعالى لبني الإنسان، لإقامة الدين وإحقاق الحق وتحقيق العدل والعيش الكريم، وبفضلها تتحرّر الأممُ من كُـلّ عائقٍ قد يحول بينها وبين مواجهة أعدائها، ولو نظرنا إلى تاريخ الأمم والشعوب عبر مختلف العصور ومراحل الأزمنة، تظل الشهادة عنوانَ العطاء السامي الفريد الذي أمكن أن يقدمَهُ الشهيد لهذا الشعب أَو لتلك الأُمَّــة، بغض النظر عن الديانة والتوجُّـه والقضية التي قدم هذا الشخص روحه وبذل دمه في سبيلها.

فكان ذلك الشخص في نظر قومه وتراثه الحضاري وموروثه الثقافي، شهيداً حمل كُـلَّ معاني السمو والرفعة والمجد، وظل في ذلك الميراث الأُسطوري حياً مخلداً، وبحسب أساطير الأمم المختلفة فذلك الشهيد انتقل ليعيش في البُعد الآخر من الحياة الدنيا، وكما هو ملاحظ في عدة دياناتٍ سواءً الوثنية منها أَو السماوية أنها أجمعت على ذلك، ولو تأملنا إلى مصير من يُقتل في سبيل الله في التراث الإسلامي والموروث القرآني، سنجد الاختلافَ بين الشهيد وبين القتيل كاختلاف الليل بالنهار، تتجلى فيه نعمةُ الله على الشهيد في الإسلام بحجم وعظم هذا الدين وعظمة مشروعيته للعالمين، فكل قتيلٍ فاضت روحه وأُهرق دمه في ميدان الجهاد، في معركة الحق ضد الباطل، لا يمكن أن ننظر إليه بأنهُ قُتل وانتهى الأمر، إذ أن اللهَ قد وعد ذَلك الشهيد بالخلود السرمدي والحياة الأبدية وسيظل يُرزق إلى أن يشاء الله، فهل يستوي ثوابَ الشهيد في سبيل الله والقتيل في سبيل دنيا يصيبها أَو ثروةٍ يجمعها أَو متعة فانية وجاهٍ زائل؟، لا يستوي، فسبيلُ الله سبيل الدين القويم والنهج العظيم هو معيار تحقيق الشهادة وعنوان تحقيق وعد الله، والقتيل لأجل ذلك إنما هو الشهيد الحق، فقد حقّق نعمة الخلود والرضوان والفوز العظيم، وهذا هو الاختلاف بين الأُمَّــة الإسلامية وغيرها من الأمم، بين المسلم الحق والدعي بالإسلام، فالمسلم المجاهدُ يذهبُ ليقاتلَ ويجاهدَ على بيِّنةٍ وبصيرةٍ من الأمر وقلبهُ مُطمئن وروحُهُ عامرة بالثقة بالله وبنيل إحدى الطائفتين، نصرٌ أَو استشهاد، ومَن سواه يذهبُ يقاتِلُ وقلبُه مليءٌ بالخوف والرعب، مليء بالرغبات متخم بالشهوات تعصفُه الشبهاتُ من كُـلّ اتّجاه، فيخسر دنياه وآخرته؛ لذلك فالشهادة شرف عظيم بعظمة من سخرها لجنوده المؤمنين المخلصين.

فهنيئاً لكل مؤمنٍ بذل نفسه في سبيل الله، دفاعاً عن الأرض والعرض، ونصرةً للمستضعفين وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وإنكاس رؤوس الظالمين والمستكبرين.

بتلك الدماء الزاكية تطهر الأرض وتحيا بها الأُمَّــة بالحياة الطيبة والكريمة، في ظل المشروع القرآني المحمدي العظيم والمنهج القويم، ولا يمكن أن تنشأ وتستقر وتدوم هذه الحياة إلا بفضل هؤلاء الشهداء وتضحياتهم وعطائهم، فالشهادة عطاءٌ قابلَهُ اللهُ بعطاءٍ أجزل وأكبر، بأن يعيش الشهيد الحياة الأبدية، والتي كان جديراً بها، ولهذا سيظل شهداؤنا الأبرار مصابيحَ من النور التي لا يخفت بريقها ولا ينطفئ وهجها أبد الدهر، قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ، بَلْ أَحْيَاءٌ وَلكِن لَّا تَشْعُرُونَ).

مقالات ذات صلة