أمريكا ومحاولةُ تخفيف وطأة السقوط

مأرب نت || مقالات || د. مهيوب الحسام

 

إن كُـلّ ما يحدث الآن من صراخ وعويل أمريكي غربي وهستيريا غير مسبوقة، سواء ضد روسيا وكل من يتعامل معها أَو ضد من يناهض أمريكا ونظامها الدولي، هو ناتج عن هول الصدمة والرعب الذي تعيشه أمريكا التي يبدو أنها أكبر المتفاجئين بسقوطها وقرب زوال قيادتها للنظام الدولي وهيمنتها على العالم رغم أن السقوط لا يعني انتهاء أمريكا ولا دورها في العالم نهائيًّا، فهي ستبقى دولة كبرى وقوة عظمى ولكن لن تكون بعد اليوم إمبراطورية أَو قائدة للعالم أَو مؤثرة فيه بالشكل الذي كانت عليه خلال الـ70 عاماً الماضية.

 

إن العالم يتغير والنظام الدولي يتآكل وأمريكا تقاوم رغم كُـلّ ما يظهر من عجزها حتى عن قيادة نفسها بشكل متوازن، ناهيك عن قيادتها لنظام دولي مهترئ، والدلائل كثيرة من هروبها المذل من أفغانستان بعد احتلال دام 20 عاماً إلى عجزها عن التحكم بمسار حربها العدوانية على سوريا واليمن وَعدم قدرتها على حماية أدواتها التنفيذية في العدوان على الشعب اليمني بل وعجزها عن حماية قاعدتها العسكرية الأكبر “الظفرة” في الإمارات من ضربات الشعب اليمني.

 

ومن شواهد تغير العالم وسقوط أمريكا ونظامها الدولي قبولُها العودةَ للاتّفاق النووي بشروط إيران لا بشروطها وتقديمها ضماناتٍ لروسيا بأن عقوباتها التي تُفرض على روسيا الآن لن تشمل تعاملها مع إيران بعد الاتّفاق وكذلك فشل الرسائل الأمريكية لروسيا سواء المحمولة عبر وزيرَي خارجية قطر والإمارات وغيرهما والمتضمنة عروضًا أمريكية لروسيا لقبول التفاهم معها حول قضايا عديدة، سواء في أُورُوبا أَو في آسيا، مقابل فَكِّ حِلْفِها مع الصين والهند وإيراني، وتجاهل روسيا لتلك الرسائل وعدم التفاعل معها بشكل إيجابي.

 

وإذا ما تحدثنا عن شواهد تراجع دور أمريكا فَـإنَّ القائمة تطول ونذكر هنا خشيتها من مواجهة المباشرة مع روسيا ودفعها بأُورُوبا لخوض المواجهة ليقتصر دورُها على الحرب الإعلامية والاقتصادية بضخ إعلامي تضليلي زائف وبث الشائعات وقلب الحقائق وشيطنة روسيا بوتين وفرض العقوبات الاقتصادية التي ترتد عليها وأتباعها الأُورُوبيين بنفس القدر، وقد أثبتت هذه العقوبات بأنها لا تُخضِعُ شعوباً ولا تُسقِطُ دولاً بل تقوِّيها، ما بالك بدولة عظمى كروسيا، وهذه الإجراءات بلا شك ستزيد من إحباط أمريكا وفقدانِها توازنَها مع الأيّام أكثرَ فأكثرَ ومعها أدواتها الأُورُوبية والإقليمية.

 

إن السقوطَ الأمريكي الذي نتحدَّثُ عنه لا نعني به السقوطَ الفوري المباشر بالتأكيد، فأمريكا ستقاوم ما دام باستطاعتها ذلك وقد تمتد لعشر سنوات قادمة أَو يزيد لتشكّل نظام عالمي جديد بأُسُسٍ جديدة، ولكن كُـلّ الشواهد التي تتكشف تباعاً تؤكّـدُ أن هيمنة أمريكا على العالم انتهت وأن الفترة اللازمة لولادة نظام عالمي جديد لن تطولَ، والحضورُ الفاعلُ لمحور المقاومة سيقلِّلُ زمنَ المخاض، والأهمُّ حضورُه الفاعلُ في وضعِ أسس النظام الجديد، ولله عاقبةُ الأمور.

مقالات ذات صلة