الأعياد لها أثرها في النفوس والحياة فيما لو تم إحياؤها بشكل صحيح

مأرب نت || من هدي القرآن ||

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ.

والصلاة والسلام على رسول الله محمد، والصلاة والسلام على من نجتمع في هذا اليوم بمناسبة إحياء ذكرى إعلان ولايته على الأمة كلها، الإمام أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، وصلى الله وسلم على أهل بيت رسول الله الذين نهجوا نهجه وساروا بسيرته فأصبحوا هُداة للأمة، ورضي الله عن شيعتهم الأخيار الذين آمنوا بمحبتهم ومودتهم وولايتهم واقتفوا آثارهم واهتدوا بهديهم من الأولين والآخرين.

بهذه المناسبة العظيمة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا جميعاً، ونقول لكم: عيد مبارك، وكل عام وأنتم بخير.

إنها أعياد مباركة، عيد الأضحى، وعيد الغدير، أعياد إسلامية، أعياد لها قيمتها، ولها أثرها في النفوس، وفي حياة الناس لو كانت تُحيا بالشكل الصحيح.

إنها الأعياد الإسلامية التي هي تعتبر بمثابة فرح بنصر الله، فرح بنعمة الله، حديث عن نعمة الله سبحانه وتعالى، وذكر لفضله على عباده.

إن الأعياد كثيرة تمر على هذه الأمة، أعياد كثيرة، أعياد وطنية، كل بلد من البلدان العربية وغيرها له يوم وطني، وأحياناً تزدحم الأعياد، أحياناً في بعض البلدان – كما هو الحال في بلادنا – زحمة أعياد! لكننا نلاحظ أنه في كل عام تمر تلك الأعياد والأمة تهبط إلى الأسفل، إلى الأسفل! أعياد لا قيمة لها.

إن العيد الذي هو عيد هو العيد الذي هو فَرَح بنعمة من نعم الله، الذي هو ذكر لله، كعيد الأضحى المبارك، كعيد الفطر، كعيد الغدير. {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ}(يونس58).

كم تستعرض الحكومات في الأيام الوطنية! والأعياد الوطنية، تستعرض القوات المسلحة، وتستعرض أنواع كثيرة من الأسلحة، ولكننا نجد أنه لا أثر لتلك الأعياد في نفوس الناس، ولا أثر لتلك الأسلحة في رفع معنويات الناس، ونجد الهزائم تتتابع على هذه الأمة كل عام، بل كل شهر، كما هو الحال في هذه السنة التي رأينا الأحداث العجيبة فيها.

أيها الإخوة: نحن نحتفل في كل سنة بيوم الغدير، وهي عادة جرينا عليها، وسار عليها أسلافنا جيلاً بعد جيل؛ لأهمية إحياء هذه المناسبة، أولاً: أنها نصر لله تعالى، وثانياً: نصر لرسوله، ودفاع عن مقام رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وثالثاً: نصر للإمام علي (عليه السلام).

إن يوم الغدير الذي جمع فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أكثر من مائة ألف من الحجاج، وصعد فوق أقتاب الإبل؛ ليرفع يده ويد علي؛ ليقول للجميع: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) بعد خطبة طويلة، يقرر فيها الأمة على أنه قد أكمل البلاغ لها.

فعل ذلك في مثل هذا اليوم، بعد أن نزلت تلك الآية بلهجتها الساخنة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة67).

فنحن عندما نحيي هذه الذكرى؛ لأن هناك – وكما قلنا أكثر من مرة – وكل من يراقب الأحداث منكم، وكل من يراقب ما يعمله حتى من يسمون أنفسهم دعاة للإسلام، هل يتحدثون عن هذه الحادثة؟ ما أكثر الجامعات الإسلامية، ما أكثر المراكز الإسلامية، ما أكثر الدعاة بذقونهم الطويلة، وثيابهم القصيرة، ما أكثر من يتحدثون باسم الإسلام، وخدمة السنة!. هل سمعتموهم مرة من المرات يتحدثون عن يوم الغدير؟ لا.

إن يوم الغدير هم يشهدون بأنه حادثة لا شك فيها، قضية متواترة، قضية مسلَّمة، لا أحد يشك من المسلمين بأنها حدثت، وفي أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قال في ذلك اليوم على مرأى ومسمع من الحجاج الذين حجوا معه في تلك السنة: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)).

دعاة سنة رسول الله! أليس هذا من السنة؟ من يتشدقون دائماً بأنهم أنصار للسنة، ودعاة للسنة، نقول لهم: هناك حديثان مهمَّان، يرتبط بهما مصير الأمة، مستقبل الأمة، لا تتحدثون عنهما، وهما من الأحاديث، الصحيحة، المتواترة، التي لا شك فيها، في مراجعكم الحديثية، لا تتحدثون عنها! ونحن نراكم تتحدثون عن أحاديث ضعيفة وباطلة، تتحدثون عنها كثيراً.

هل هذا هو أسلوب من يسمون أنفسهم أهل السنة؟ أو أنصاراً للسنة؟ لا، إن أنصار السنة هم من ينصرون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ويقفون مواقفه، ويعملون على أن يمتد بلاغه في الأمة جيلاً بعد جيل، كما نحن في هذا اليوم بإذن الله وبمشيئة الله نقول أننا نبلغ عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

كلنا جميعاً، وكل واحد منكم يحضر هذا المقام إنه بلا شك، وبمشيئة الله يكون مبلغاً عن رسول الله ما بلغه في يوم الغدير، ويدخل ضمن دعوة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما قال في علي: ((اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)).

إننا نتولى علياً، ونعادي من عادى علياً، وننصر علياً، ونخذل من خذل علياً. أليست هذه عقيدتنا؟ وما نعمله في هذا اليوم هو إعلان لذلك؛ لندخل ضمن دعوة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).

إنها نعمة عظيمة علينا – أيها الإخوة – إن يوم الغدير هو خطاب للأمة كلها، ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الغدير هو خطاب للأمة كلها، لكن أولئك كان أمامهم ما يحجزهم عن أن يقفوا هذا الموقف الذي وقفه شيعة علي جيلاً بعد جيل؛ إنهم تولوا أبا بكر وعمر، فهم يرون أن الاستجابة لدعوة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) التي أعلنها في مثل هذا اليوم ستكون على حساب أبي بكر وعمر، إذاً فكل شيء لا قيمة له إذا كان سيمس بمقام أبي بكر وعمر!.

نقول لهم: أبو بكر وعمر لكم، وفيهم الكفاية لكم. إنكم قد شهدتم على أنفسكم بأن ما اعتقدتموه لا ينسجم مع ما قاله الرسول في مثل هذا اليوم.

ما الذي يمنعكم عن أن تتحدثوا بما تحدث به الرسول في يوم الغدير إلا لأنكم تعلمون أن ما قاله في يوم الغدير يتنافى مع ما تعتقدونه من المقام في أبي بكر وعمر. إذاً فافهموا أن عقيدتكم في أبي بكر وعمر أنكم تشهدون بأنها لا تنسجم مع ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).

وهذا من الشواهد الصحيحة، والصريحة والواضحة على بطلان عقيدتك أي عقيدة تعتقدها إذا كانت لا تنسجم مع القرآن، إذا كانت لا تنسجم مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فافهم بأنك تعتقد الباطل، وأنك تنصر الباطل، وأنك تقف مواقف الباطل.

نحن شيعة علي (عليه السلام) هل وجدنا أنفسنا في يوم من الأيام محرجين أمام آية قرآنية؟ أو وجدنا أنفسنا محرجين أمام حديث قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لا، لماذا؟ لأننا تولينا من هو منسجم مع القرآن، قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)).

عندما تتولى علياً فإن تولي علياً هو مفتاح لأبواب الهداية بالقرآن، وستجد نفسك لا تصطدم مع آية قرآنية، لكن الآخرين هم من يتقافزون على الآيات القرآنية! هذه، لا؛ لأنها تمس بمقام فلان! هذه الآية وإن كانت فيها لهجة قاسية يسمونها عتاباً رقيقاً، وعتابا لطيفاً؛ لأنها تمس بمقام فلان، ومقام فلان، أو مقام الصحابة الأجلاء! وهكذا.

ما أسوأ الإنسان عندما يعتقد باسم الإسلام عقيدة تجعله غير منسجم مع القرآن، تجعله مرتاباً في نفسه أمام القرآن، والقرآن هو الذي يقول الله عنه: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}(البقرة2) فأي عقيدة تنسجم معه هي العقيدة التي لا ريب فيها.

من السوء أيضاً، من الباطل أيضاً، أن تجد نفسك في عقيدتك لا تنسجم مع صريح قول النبي (صلوات الله عليه وعلى آله). لماذا نحن نحتفل بيوم الغدير؛ لأن الحديث عن علي لا يصطدم مع أي عقيدة لنا أخرى، هل هناك شيء يصطدم معه؟. لكن الآخرين – كما كررت – لا، لماذا؟ أمامهم أبو بكر، وعمر! إذاً حَجُّوا على أبي بكر وعمر، وتاقوا عليهم، وانشغلوا بهم.

ونحن نقول – أيها الإخوة – : إنها نعمة عظيمة علينا، نعمة عظيمة علينا أن نكون نحن الشيعة من اختصينا، ومن اختصنا الله بهذه العقيدة الصحيحة، المنسجمة مع كتاب الله، ومع رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أن نكون نحن من نحيي ذكرى هذا اليوم، من نحيي ذكرى الولاية، من ننصر الله – كما قلت سابقاً – إن الله يقول: {يَا أيُها الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ}(الصف14).

إن من لا يعلنون ما أعلنه الرسول في هذا اليوم هم من يَصِمُون الله في حكمته، وفي عدله، وفي رحمته، هم من يضيفون النقص إلى الله.

كيف يجوز على الله سبحانه وتعالى، الذي سمى نفسه بالحكيم، العليم، العدل، الذي سمى نفسه بالرحمن الرحيم، أن يأتي لينظم شؤون كل أسرة، لينظم حتى المواريث، ثم لا ينظم شأن الأمة، ويترك الأمة دون أن ينظم أمرها!.

هل يجوز على الله؟ هذا لا يجوز على الله، لكن الآخرين جوزوه على الله، ولما جوزوا على الله أن يكون أهمل شأن الأمة رأينا عشرات الخلفاء، والرؤساء، والزعماء الذين هم بعيدون عن الإسلام يتقافزون على حكم المسلمين، وعلى أكتاف المسلمين جيلاً بعد جيل.

هل يجوز على الله أن يهمل أمر الأمة؛ ليفسح المجال لأولئك الذين لا يدينون بدينه، ولا يخشونه، ولا يخشون اليوم الآخر، هل يجوز على الله أن يترك شأن الأمة؟ لا يجوز.

فنحن عندما نجتمع في مثل هذا اليوم، نحن نقول: إن الإسلام دين ودولة، ومن الله جاء الإسلام هكذا: نظام شامل للحياة كلها، لا يمكن أن يغفل جانباً من جوانبها، ولا أن يفسح ولا قيد أنملة للضالين والمضلين، والظالمين، أن يتحكموا على رقاب الأمة.

إنه دين الله الحكيم، الذي نزله الحكيم، على رسوله الحكيم، دين عظيم، من إله عظيم، نزل على رسول عظيم؛ لينشأ أمة عظيمة، لا مجال فيها لهؤلاء الضعاف، لا مجال فيها لهؤلاء الأقزام، الذين وجدناهم أقزاماً أمام اليهود.

أليس خزياً علينا نحن المسلمين أن نرى زعماءنا، وهم ما يقارب الخمسين زعيماً كلهم يقفون راكعين مطأطئ رؤوسهم أمام اليهود؟ هل هذا هو الإسلام؟ لا يجوز أن يكون هذا من الإسلام، ولا علاقة لهذا الموقف بالإسلام، ولا شرعية لهذه النوعية أبداً في الإسلام.

فنحن عندما نتحدث في يوم الغدير بنعمة الله علينا، عندما نتحدث في يوم الغدير عن أمر الولاية، عن ولاية الإمام علي، إنه في المقدمة نصر لله، ثم نصر لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله).

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بمناسبة (يوم الولاية)

بتاريخ: 18 ذو الحجة 1422هـ

الموافق: 1/3/2002م

اليمن – صعدة

مقالات ذات صلة