اليمن وإرباك أمريكا والكيان لوقف العدوان على غزة

متابعات || مأرب نت || 5 جمادى الآخرة 1445هـ

 

كشفت مؤخراً عناصر في الإدارة الأمريكية لموقع “بوليتيكو” عن مناقشات مهمة تجري داخل الإدارة حول الاستجابة المناسبة للتطورات الحالية، واستنتجوا أن الرد المباشر غير مناسب في هذا السياق، مشيرين إلى عدم تعرضهم لهجمات يمنية مباشرة، وأكدوا أن القضية اقتصرت في نظرهم على السفن الإسرائيلية وأن أي تدخل خارجي سيؤدي إلى تصعيد الرد والاستهداف، وأوضحوا أن الولايات المتحدة لا ترغب في التورط المباشر، حيث سيعني ذلك توسيع نطاق الرد وزيادة الضغط، وفي هذا السياق يعتبرون أن تدخل جهة ثالثة سيؤدي إلى تصاعد الأمور، وخاصةً مع استمرار التصعيد ضد القوات الأمريكية من قبل المقاومة العراقية في العراق وسوريا، وهم يعملون على احتوائها قدر الممكن.

معادلة مؤثرة لصنعاء

تشير التفاصيل إلى نجاح العاصمة اليمنية صنعاء في فرض معادلة تأثيرية، حيث تؤثر على اقتصاد الكيان الإسرائيلي من جهة، وتلقي بظلالها على صناعة القرار في مجلس حرب العدو، الذي يواجه تحديات متزايدة شمالًا وجنوبًا حتى إيلات، والاعتبارات الأمريكية تظهر أنهم يرون أنفسهم عاجزين عن إيجاد حل “رادع” في الوضع الحالي، حيث يفتقدون إلى القدرة على تطوير الأدوات والأساليب المناسبة، وتوضح الخطوة التي اتخذوها بمرافقة بوارجهم للسفن الإسرائيلية أنها لن تكون عائقًا للاستهداف، بل قد تعرضهم لمخاطر أكبر، وفي هذا السياق، تقتصر صنعاء حتى الآن على إطلاق رسائل تحذير نارية في اتجاههم.

والوضع يؤكد أيضًا أن تصوير ما يحدث في البحر الأحمر كتهديد للملاحة الدولية يعتبر غير مقبول، حيث تُعتبر حركة السفن أمرًا عاديًا ولا يتم التعرض لها، ما يسقط المبررات الأمريكية، وبفضل إدارتها المدروسة لهذه المعركة، تمكنت صنعاء من ربط الأيدي الأمريكية ودفعها إلى زاوية واحدة، وهي زاوية الضغط على “تل أبيب” لوقف العدوان على غزة، وفي سياق متصل، يظهر أن واشنطن تدرك خطرًا محتملاً في المستقبل ينبع من البحر الأحمر، حيث إن من يدير المشهد يظهر أنه غير مستعد للاستسلام أمام التهديد، ويمتلك الجرأة اللازمة لاتخاذ خطوات جريئة، ويمكن أن يوجه جزءًا من تلك الجرأة نحو كسر الحصار المفروض عليه في المستقبل، وخاصة أن مستوى الإسناد اليمني لغزة قد أصبح واضحًا، حيث تتجه الصواريخ والمسيرات نحو مواقع جنوب الكيان الإسرائيلي، وهو عامل يؤثر بشكل كبير في المعادلة.

ومنذ السيطرة على أولى السفن، قامت صنعاء بتحديد هدفها الواضح بتوجيه الاهتمام إلى السفن الإسرائيلية فقط، وأكدت بوضوح أن الممر البحري الاستراتيجي في باب المندب آمن للملاحة الدولية، وهو عنصر أساسي في النقاش، وفي هذا السياق، وجدت واشنطن نفسها أمام تحدٍ بحري صعب، حيث تدير الحرب على غزة من خلال دعم الكيان الإسرائيلي على الصعيدين العسكري والسياسي، وتم التأكيد على أن الأمريكيين قاموا بتضخيم الأمور في مواجهة صنعاء، حيث قاموا بالتهويل ومحاولة إشعال بعض الجبهات الداخلية، إضافة إلى التهويل بشأن استئناف الحرب وعرقلة مسارات التفاوض، ومع ذلك، لم يؤثر ذلك على الموقف اليمني الداعم لقضية غزة، ووجد الأمريكيون أنفسهم أمام حاجز لا يمكن تجاوزه.

وتأتي هذه التعليقات بعد إعلان العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، تصعيد الإجراءات ضد الكيان الصهيوني تضامنًا مع غزة، حيث أكد منع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، بغض النظر عن جنسياتها، إلا إذا دخلت إلى قطاع غزة لتلبية احتياجاته من الغذاء والدواء، وأكد العميد سريع، في بيان عسكري، أن أي سفينة متجهة إلى كيان العدو ستكون هدفًا مشروعًا، وحذر في الوقت نفسه “جميع السفن والشركات من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية”، وأشار إلى أن القوات المسلحة اليمنية ستقوم بتطبيق قرار منع مرور السفن إلى كيان العدو من لحظة إعلان هذا البيان، وأوضح أن قرار منع دخول السفن الأجنبية إلى الكيان يأتي بعد نجاحهم في منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي.

من ناحية ثانية، أكد المتحدث باسم قوات صنعاء على حرصهم على استمرار حركة التجارة للدول والسفن كافة، باستثناء تلك المرتبطة بالكيان الإسرائيلي أو التي تنقل البضائع إلى الموانئ الإسرائيلية، وأضاف البيان إن القوات المسلحة اليمنية تعتبر أي مرافقة عسكرية للسفن الإسرائيلية تعرض أمن الجمهورية اليمنية للخطر، وبناءً على هذا المبدأ، يكون من حق القوات المسلحة مواجهة هذا الخطر، كما أكد حزام الأسد، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله، أن القرار اليمني باستهداف كل السفن المتجهة للموانئ الإسرائيلية يشمل أيضا السفن الإماراتية، وأضاف إنه كشعب يحمل روح الإيمان والعروبة والإباء، يعز عليهم أن يهدؤوا بالاً وأهل غزة يموتون تحت القصف والحصار.

وعلق المسؤول اليمني على استخدام واشنطن للفيتو لإبطال قرار مجلس الأمن بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، قائلاً: “الفيتو اليمني سيكون أقوى بقوة الله من الفيتو الأمريكي”، مشيرًا إلى الخطوات التصعيدية التي اتخذتها صنعاء ضد كيان الاحتلال، ومن جهته، قال العميد عبد الله بن عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي، إن تفاقم الحالة الإنسانية في غزة وعدم التحرك الجاد للدول العربية، جعل صنعاء تتخذ إجراءات تصعيدية ضد الكيان الصهيوني، وأضاف إن اليمن يتخذ هذه الخطوات نيابة عن العرب الذين تخاذلوا في دعم غزة، مؤكدًا أن النظام العربي الرسمي لم يتحرك بشكل جاد تجاه المجازر والإبادة الجماعية.

محاولة يمنيّة لوقف العدوان على غزة

تأتي هذه التطورات بعد إعلان هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية (اوكمتو) عن تعرض سفينة شحن تجارية لاستهداف آخر في مياه البحر الأحمر، يأتي ذلك في إطار استمرار حركة أنصار الله في تصعيد هجماتها على السفن الإسرائيلية، لدعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، وتم استهداف السفينة في يوم الجمعة، وذلك بعد أقل من 48 ساعة من إطلاق وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، محمد ناصر العاطفي، تهديدًا مباشرًا من على متن سفينة “جلاكسي ليدر”، التي تعود ملكيتها لرجل الأعمال الإسرائيلي إبراهام أونغر أرامي والتي تم احتجازها في 19 نوفمبر الماضي.

وأعلن الوزير العاطفي أثناء خطابه لمنتسبي القوات البحرية أن البحر الأحمر، من خليج العقبة إلى باب المندب، أصبح محظورًا على الكيان الصهيوني، وأن أي سفينة تعود له في هذه المنطقة ستتعرض للاستيلاء عليها أو تتعرض للضرب بواسطة مختلف الأسلحة المتاحة لإغراقها، وأطلق الناطق العسكري لحركة أنصار الله، يحيى سريع، تحذيرًا حادًا للولايات المتحدة الأمريكية بعد استهداف سفينتين إسرائيليتين في باب المندب، حيث قال: “نملك كل الأسلحة القادرة على أن تطال العدو أينما وجد في البحر الأحمر وتجعل أساطيلهم تهوي إلى قعر البحر”، وأضاف: “ستكون أمريكا هي الخاسر في هذه الحرب وعليها ألا تنجر وراء الكيان الصهيوني”.

في تصعيد آخر للضغط على الكيان، أعلنت صنعاء استهداف سفينتين إسرائيليتين في باب المندب، حيث أكد المتحدث العسكري يحيى سريع أن الهجوم تم بواسطة صاروخ بحري استهدف سفينة “يونتي إكسبلورر”، وطائرة مسيرة بحرية استهدفت سفينة “نمبر ناين”، وأوضح أن الاستهداف جاء بعد رفض السفينتين التحذيرات وحظر مرورها، وتأتي هذه الأحداث في سياق استمرار هجمات صنعاء على الكيان الإسرائيلي باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، مع تأكيد جيش الكيان الإسرائيلي على تعرض مدينة إيلات جنوب فلسطين لهجوم.

وصدر إعلان مهم من منصور الزنداني، القيادي في حزب الإصلاح، يؤكد موقفه القوي من الأحداث التي تجري في فلسطين، في إعلانه، حيث حث اليمنيين وأعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح على التضامن مع فلسطين والمقاومة، مشددًا على أن اليمن يدعم غزة وفلسطين بشكل عام، وأكد أن اليمن وفلسطين هما قلب واحد وصوت واحد، وأن التوحيد يكمن في الدعم والتضامن مع القضية الفلسطينية.

وفي إشارة إلى “إسرائيل” وكل من يدعمها، قال الزنداني: “وعلى كل صهيوني ومن يدعمهم أن يعلموا أن اليمن إذا قالت فعلت، وقولها حق، وفعلها حق وحينها ليس لنا خيار آخر إلا النصر، أما بني صهيون ومن يدعمهم فلن يكون لهم إلا الهزيمة والذل والعار”، وفي ختام حديثه، دعا الزنداني الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ الموقف نفسه، معربًا عن أمله في التحرر الكامل لفلسطين وخروج كل صهيوني من أرض العرب، كما أعرب مكون الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن عن تأييده للقرار التاريخي الذي اتخذته القوات المسلحة اليمنية بمنع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، وأكد المكون في بيان صدر عنه أن هذا القرار الشجاع يعبر عن استمرار المواقف الاستراتيجية والمبدئية للجمهورية اليمنية تجاه أعداء الأمة، وخاصة الصهاينة، والتي تأتي ردًا على ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وهذا القرار يعبر عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في مواجهة الاعتداءات والاحتلال، وهذا القرار له دلالات كبيرة فيما يتعلق بتوقيته وتقدير المواقف، في ظل الجهوزية الكاملة لليمن لاتخاذ الخيارات المناسبة تجاه أي تصعيد من قِبل أعداء الأمة، وخاصة أن هذا القرار جاء بعد يوم واحد من إفشال الولايات المتحدة قرارًا في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ويُظهر البيان تصعيدًا واضحًا وصريحًا ضد إرادة الشعوب الحرة، ويُعتبر دعمًا للغطرسة والاستكبار والإرهاب الصهيوني.

من جانب آخر، أشادت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بالموقف اليمني وقراره بمنع السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من المرور، مُثنية على هذا الموقف العربي والإسلامي الأصيل، ورأت فيه تأكيدًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني ودعمًا لقضيتهم، وخاصةً في ظل استمرار حرمان قطاع غزة من دخول المواد الحياتية، وتأكد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على أن القرار اليمني يأتي في لحظة تاريخية ويعبر عن عمق الانتماء الأصيل للشعب اليمني وقيادته الباسلة، وأدانت العجز العربي وارتهانه للموقفين الصهيوني والأمريكي، من جهة أخرى، اعتبرت حركة حماس القرار اليمني قرارًا شجاعًا وجريئًا، ينتصر لدماء الشعب الفلسطيني ويقف ضد العدوان الصهيو-أمريكي والمجازر التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني.

ومن السياق ذاته، أشار محللون إلى أن قرار اليمن بمنع السفن العابرة إلى “إسرائيل” من كل الجنسيات يرتبط بفشل مجلس الأمن في إقرار وقف الحرب، ويأتي ردًا على الولايات المتحدة التي خالفت الإجماع الدولي على وقف الإبادة الجماعية في غزة، مع وجود تساؤلات حول إمكانية تنفيذ تهديد أنصار الله منع مرور السفن المتجهة إلى “إسرائيل”، ويشير إلى أن القرار الأمريكي في مجلس الأمن قد يفتح الباب أمام تصاعد التوتر وتعقيد الأوضاع في المنطقة.

والنتيجة… تؤكد الوقائع أهمية وجود ترسانة سلاح متطورة وثقيلة لدى الحوثيين، وإن الأيام القادمة قد تكون صعبة، ما يشير أيضًا إلى أن نسبة السفن المتجهة إلى “إسرائيل” قليلة جدا من السفن التي تمر في قناة السويس أو تعمل في البحر الأحمر، ولكن يتساءل البعض عن تأثير هذا القرار على مصر وعلى قناة السويس في حال تصاعد التوتر وحدوث حرب في باب المندب، لكن منع جميع السفن المتجهة إلى “إسرائيل” قرار ممتاز، وإن الولايات المتحدة لا تجرؤ على وضع أنصار الله على قائمة الإرهاب أو الرد على إغلاقها البحر الأحمر لسفن الاحتلال، ويُعبر الفلسطينيون عن تقديرهم لليمنيين ويُثنون على شعبيتهم في العالم العربي والإسلامي بسبب وقوفهم المشرف مع فلسطين.

مقالات ذات صلة