
عملة من صلب الإرادة.. خمسون ريالًا تثبّت الوَحدة والسيادة وتكسر الحصار والاحتكار
مقالات || مأرب نت || عبدالقوي السباعي
في يوميات الصمود اليمني الأُسطوري، حَيثُ تتعانق البنادقُ مع دفاتر الاقتصاد، وتتماهى السياسة النقدية مع معركة التحرّر والسيادة، يعلن البنك المركزي اليمني من قلب العاصمة صنعاء، عن خطوةٍ اقتصاديةٍ بالغة الذكاء والدلالة.
عشر سنواتٍ عاشها بين المطرقة الاقتصادية وسندان العدوان والحصار، لم يرضخ اليمن أَو ينهار؛ بل سكّ عملتَه المعدنية الجديدة -بدءًا بفئة الـ 100 وانتهاءً بفئة الـ 50 ريالًا المعدنية- بالإرادَة والسيادة، والحنكة، وهو ما يجعلها عنوانًا لمرحلةٍ قادمة، وليست مُجَـرّد فئات نقدية عادية.
الحفاظ على استقرار العُملة الوطنية واستمرار تدفُّقها في سوق التداول، وسكّ عُملة معدنية جديدة من فئة خمسين ريالًا، ليس مُجَـرّد تداول نقدي فحسب؛ بل كانت رسالةً اقتصادية سيادية، وحجرًا آخر يُرصُّ في بناء الدولة اليمنية المتجدِّدة.
من أزمة “فكّة” إلى قرار دولة:
لم يكن إصدارُ هذه العملة وليد نزوة بيروقراطية أَو حيلة طارئة؛ بل جاء استجابةً ذكيةً لأزمةٍ واقعية عاشها الشارع اليمني، تجلت في شُحّ فئة الخمسين ريالًا وفئة المئتين والخمسين الورقية، التي غابت؛ بسَببِ التهالك الطبيعي والظروف المناخية والاقتصادية نتيجةَ العدوان والحصار على مدى عشر سنواتٍ مضت.
غيابٌ تسبب في أزمة تداول نقدي حقيقية، أرهقت البائع والمشتري، وأجبرت البعضَ على حلول بدائية أضرت بالسوق المحلية، مثل استخدام السلع كوسيلة مقايضة، أَو الاعتماد على تحويلات إلكترونية لا تتناسب مع طبيعة السوق الشعبية.
ما يميّز هذه الخطوة أنها جاءت بصيغة “الاستبدال الفني” لا “الإصدار التضخمي”؛ أي أن البنك المركزي لم يضخ كتلةً نقدية جديدةً في السوق؛ بل قام باستبدال ما تلف وانقرض من فئة ورقية بفئة معدنية أكثرَ صلابة ومتانة، قابلة للتداول طويل الأمد.
هذا يعني بوضوح -بحسب خبراء الاقتصاد- أنه لا أثرَ تضخميًّا لهذا الإجراء، ولا خطرَ على سعر صرف العملة المحلية، وإنما يقوم بتعزيز مباشر لقوة الريال اليمني على الأرض.
وفي الوقت الذي تتخبّط مناطقُ المرتزِقة وأذناب تحالف العدوان في طوفانٍ تضخمي سبّبه إصدارُ أوراق نقدية بلا غطاء، أَدَّى إلى وصول صرف الدولار والريال السعوديّ إلى أرقامٍ فلكية في مقابل العُملة المحلية.
تثبت صنعاء مرة أُخرى أنها تُدير السياسة النقدية بسيادة واستقلال، دون انتظار توقيع سفير أَو موافقة جهة أجنبية، كما في مناطق سيطرة تحالف العدوان، وكما كان الحال أَيْـضًا في سابق الأنظمة.
الخمسون ريالًا.. بين السيادة والوَحدة:
عملةٌ تتعدى بُعدَها الاقتصادي لتتوشّحَ بدلالاتٍ وطنية وسياسية بالغة العمق، يتجلى أبرزها في اختيار مسجد “العيدروس” –أحد معالم مدينة عدن المحتلّة– ليكون واجهةَ هذه العملة الجديدة.
إجراءٌ عميق ٌجاء ليس مُجَـرّد وضع صورة على وجه قطعة نقدية؛ بل رسالة بصرية وسيادية، مضمونها أن عدن في القلب، وستعود إلى الجسد، ومشاريع التفتيت مصيرها الزوال.
واللافت أن فوقَ التصميم، كُتب اسم عدن بوضوح، وكأن صنعاء تقول: “عدن ليست في الهامش؛ بل في صُلب الهُوية اليمنية”؛ ومهما عبث العابثون، ستظل الوَحدة قدرًا لا تراجُعَ عنه.
فئةٌ نقدية، بقدر ما هي موجَّهة إلى البنوك الكبرى أَو كبار المستثمرين، تأتي أَيْـضًا إلى قلبِ السوق الشعبية، إلى بائع الخضار، الباعة بالتجزئة، سائقي وسائل المواصلات، الطالب، عامل اليومية، حتى الأطفال، كُـلّ هؤلاء يجدون في “الخمسين ريالًا المعدنية” حلًّا لتيسير حياتهم اليومية، وتعزيز قدرتهم الشرائية، وتنظيم المعاملات البسيطة دون الحاجة إلى التفاف أَو خسائر.
ووفقًا للخبراء؛ فَــإنَّ هذه الفئة الصغيرة تُسهم بطريقةٍ مباشرة في دعم الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشكّل نسبةً كبيرة من الدورة الاقتصادية في اليمن، ويعتمد في نشاطه على التداول النقدي المباشر، دون وسطاء مصرفيين أَو تطبيقات إلكترونية.
من الحصار إلى الحضور.. ومن الحرب إلى البناء:
وفي خضم حصار اقتصادي خانق، تُسَكُّ عُملةٌ في وجه التآمر على الريال اليمني؛ تبرز إرادَةُ دولة، وفي يدٍ تمسكُ بزنادِ المعركة الإسنادية لغزة وأهلها ومقاومتها، وتخرج اليد الأُخرى لتعزف سيمفونية الإدارة الرشيدة في التغيير والبناء.
معادلةٌ يمنية لا انفصامَ فيها بين ميادين المواجهة العسكرية وساحات البناء الاقتصادي؛ فبينما تُغرق القوات المسلحة اليمنية سفنَ الدعم الصهيوني، يسعى البنك المركزي في صنعاء لتأمين السوق المحلية بـ”الفكّة” التي تنعش الاقتصاد، لا أن تستنزفه.
وفي قراءةٍ مستقبلية تحليلية، لهذه الخطوة، يؤكّـد مراقبون أن صنعاءَ تفتح صفحة جديدة من الثقة بالنقد الوطني، وتعزز رسالتَها السيادية إلى الداخل والخارج.
وتُظهِر ُللعالم أن في اليمن إدارةً نقدية واعية، تتخذ قراراتها ضمن منظومة مستقلة، وتبني مؤسّساتها على قواعدَ متينة، رغم العدوان والحصار وسياسات التجويع التي تنتهجها قوى الهيمنة والاستكبار الإقليمية والعالمية.
واختيار رمزية بصرية من عدن المحتلّة، يعطي إيحاءاتٍ سياسيةً واضحةً حولَ وحدة الأرض والإنسان والمصير، ويشكل تذكيرًا مُستمرًّا بأن المشاريعَ الانفصاليةَ ليست سوى سحابة عابرة أمام شمس الهُوية اليمنية المتكاملة، التي جاءت المسيرةُ القرآنية المباركة لترسيخها.
بالنتيجة؛ تحملُ عُملة الخمسين ريالًا المعدنية الجديدة، في طيّاتها قيمًا تتجاوز المبلغ؛ فحواها أن اليمن السيادي يتجهُ فعلًا نحو بناء اقتصاد وطني حر، لا يخضعُ لتلاعبات الهيمنة الإقليمية أو الدولية.