
من يقف وراء نزع سلاح حزب الله؟
مقالات || مأرب نت ||
في الأيام الماضية، وبعد دعم المسؤولين الرسميين الإيرانيين لضرورة الحفاظ على السلاح المقدس للمقاومة في لبنان، تعرضت بعض التيارات اللبنانية،لاسیما تلك التي لديها سجل قديم جدًا وباع طویل من التعاون مع کیان الاحتلال الصهيوني، بهجوم غير لائق بعيد عن النزاکة والذوق والأدب الدبلوماسي، ولم تحتمل هذا الدعم المنطقي والصحيح للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وانقضوا عليه بدافع الحقد والضغينة القديمة.
كان من المدهش جدًا أن هؤلاء وكلاء الاحتلال وأمثالهم في حكومة لبنان يلتزمون الصمت تجاه التدخلات الفاضحة وغير المسبوقة ضد جميع الأعراف القانونية والدولية التي تقوم بها أمريكا وکیان الاحتلال الصهيوني، ويتقبلون عار هذا التدخل الفاضح من أجل نزع سلاح المقاومة، التي هي سلاح وطني لحماية الأراضي والحفاظ على كرامة لبنان، لكنهم في المقابل يتخذون موقفًا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، متحدثين بصوت واحد مع أعداء الإنسانية.
أولئك الذين لهم تاريخ مشهود من التعاون العسكري المباشر مع جيش الاحتلال الصهيوني ومدانون بمئات قضايا القتل والاختطاف التي لا تزال مفتوحة في محاكم بلادهم، يتهمون بشكل أكثر وقاحة طهران بالتدخل في الشؤون السياسية في لبنان.
لا حاجة للتوضيح أن سيناريو نزع سلاح حزب الله هي مؤامرة قديمة لأعداء الإنسانية.
على المستوى الكلي، إذا أردنا أن ننظر إلى هذه القضية، فإن نزع سلاح حزب الله هو مشروع مصمم في المثلث الصهیوامریکی والعربی الرجعی الشرير ، لإضعاف وتدمير محور المقاومة، حتى يتمكنوا من الوصول إلى الشرق الأوسط الكبير في النظام الإقليمي الجديد
بينما أصبحت شعوب المنطقة اليوم أكثر فهماً ووعياً من أي وقت مضى وحققت مستوى كبيراً من المقاومة الواعية، فإن الجرائم غير المسبوقة والتاريخية التي ارتكبها الکیان الصهيوني القاتل للأطفال والمجرم في غزة جعلت الشباب في العالم العربي اليوم يدركون أكثر من أي وقت مضى أهمية المقاومة وأهمية قوتها الردعیة.
منذ مدة طویلة یمارس هذا المثلث المشؤوم وفق تنسيق كامل سياسة الضغوط القصوی ضد محور المقاومة ، وبالتأكيد أن صمود الأسود في النهار والعابدون في الليل قد الحق بهم هزيمة مخزية.
كم هو مخز أنه في الوقت الذي ترتكب فيه ابشع وافظع الجرائم الإنسانية غير المسبوقة في غزة ، فإن رد الفعل العربي الرجعی لم يوافق على هذه الإبادة الجماعية بصمت تام فحسب، بل أصبح الشريك الأساسي في فكرة نزع سلاح المقاومة، التي هي سلاح الشرف والكرامة والأمن.
إن سياسة التجویع والتهجیر هي إحدى الارکان الأساسية التي یتفقون علی تنفیذها اذا تمکنوا من ذلک طبعا ضد كل النبلاء ومحبي الحرية في المنطقة، من غزة إلى لبنان والعراق واليمن، ، في حين أن بطونهم وشهوتهم في موائدهم اليومية الملونة لم تترك مجالا لسماع التنهدات والآهات والألم والعذاب الذی تکابده اهالی غزة العزل والابریاء.
في مثل هذه الظروف التي تم رسمها، السؤال الأساسي هو: من سيتولى مسؤولية الدفاع عن لبنان ضد الاعتداءات الشريرة والوحشية لکیان الاحتلال الصهيوني في حال تم نزع سلاح المقاومة؟
بالتأكيد الحكومة الحالية في لبنان ليست لديها رد كافي على هذا السؤال الأساسي سوى التمسك بالقرارات الدولية والأمل الوهمي في المساعدة الخارجية لصد عدوان الاحتلال الصهيوني، وبالتالي فهي غير قادرة على إقناع الرأي العام داخل لبنان الذي يميل أغلبه إلى المقاومة، لأنهم قد لمسوا آثار هذه التجربة الفاشلة منذ عام 1982 على واقعهم.
من المتوقع أنه إذا واصلت الحكومة إصرارها على تنفيذ القرار الأخير، فإن الأوضاع داخل لبنان ستصبح ثقيلة وغير محتملة بالنسبة للحكومة، وستتدهور الظروف الداخلية في لبنان، مما سيوفر المجال للتدخل الأمريكي والإسرائيلي ومزيد من قوى الوكالة الإرهابية.
لذا من الواضح أن الهدف الحقيقي ليس مجرد نزع السلاح، بل الإزالة الكاملة لمفهوم المقاومة من الناحية القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتعطيل المؤسسات التابعة، وتجريم الدعم المالي وتحويله إلى “مجموعة خارجة عن القانون”.
في مثل هذه الظروف الخطيرة من الواضح والمنطقي جداً أن حزب الله لن يقبل بنزع سلاحه لأنه يعتبر ذلك استسلاماً لأمن وسيادة لبنان أمام کیان القتل الصهيوني للأطفال.
في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في خرق وقف إطلاق النار ورفض الانسحاب الكامل من أراضي لبنان، فقد أظهر عملياً أنهم لا يلتزمون بأي اتفاق، فإن الحديث عن نزع سلاح حزب الله في هذه الظروف هو لصالح العدو، خاصة وأن هذا السلاح قد أظهر حتى الآن عدة مرات أنه يوفر قدراً أساسياً من الردع أمام أي هجمات من العدو.
التجربة التاريخية أظهرت أن إسرائيل لن تفي أبداً بالتزاماتها ولن تسمح بتمدد وجود الجيش اللبناني في جميع المناطق الجنوبية لنهر الليطاني؛ وذلك تماماً على عكس ما جاء في القرارات الدولية.
للأسف نجح المبعوث الأميركي في الوقت الحالي في نقل المواجهة من حدود لبنان وإسرائيل إلى الحكومة اللبنانية، وإشعال الفتنة الداخلية وإخراج ذلك الکیان الشرير والإجرامي من دائرة الاتهامات أمام الرأي العام الدولي، في حين أن السبب الرئيسي والسبب في كل الأزمات خلال القرن الماضي هو الوجود الخبيث لإسرائيل في المنطقة.
يؤسف كثيرًا أن الأنظمة العربية الرجعية تلجأ إلى خيار نزع سلاح المقاومة في مواجهة الهجوم الإسرائيلي والأمريكي للابادة، والاستبداد، والاحتلال، والطموحات الزائدة، وفي المستقبل ستقع هذه الحماقة الكبرى عليهم هم.
وبينما يتصرف العدو بأقصى درجات الوحشية والعدوان، فإنهم يقدمون الحل، وهو نزع سلاح الشعوب .
لكن العامل الرادع الوحيد الذي حال دون عودة العدو الصهيوني لإعادة احتلال لبنان خلال السنوات الماضية هو المقاومة والسلاح الذي في أيدي رجاله المؤمنين والصالحين.
وایضا أثبتت التجربة التاريخية أن الجيش اللبناني ليس قادراً على الدفاع عن لبنان والحفاظ على وحدته لا من حيث القدرة والإمكانيات ولا من حيث اتخاذ القرارات السياسية؛ وإلا لكان قد دافع عن البلاد في السابق أثناء التعديات المتكررة.
لذا يجب على حكومة لبنان في هذه الظروف الحساسة أن تكون أكثر حذرًا من ذي قبل حتى لا تتأثر بسلطة القوى الأجنبية والتغيرات المناخية.
لقد أظهرت التجارب التاريخية أن وحدة وأمن لبنان يجب أن يكونا في سياق اتخاذ إجراءات صحيحة تتماشى مع المصالح الوطنية، واتباع قواعد سياسية داخلية، والالتزام بالمسؤوليات الدولية، والتفاعل بشكل منطقي وصحيح مع جميع الأحزاب والطوائف اللبنانية، دون التأثر بإشارات القوى الخارجية السلبية.
في الوقت الحالي، من الأفضل أن تتجه حكومة لبنان نحو حوارات وطنية بدلاً من الاستماع للأوامر الخارجية، وأن تبحث عن حلول لاستراتيجيتها الدفاعية وأمنها الوطني دون أي تدخل خارجي.
احمد دستمالجیان / سفیر ایران السابق في لبنان