
دلالاتُ ورسائلُ احتفال الشعب اليمني بذكرى المولد النبوي الشريف
متابعات || مأرب نت || 14 ربيع الأول 1447هـ
في حشدٍ مليوني غير مسبوق في تاريخ اليمن والبشرية، إحياءً لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف -على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم- خرج الشعب اليمني، الخميس الماضي، كالسيول المتدفقة الجرارة التي لا يُرى أولها من آخرها، في الساحات المحمدية بكل المحافظات والمديريات، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، شيوخاً وشباناً.
ورسم الحشد المليوني أعظم لوحة تاريخية تصف مدى حب وولاء الشعب اليمني لله ورسوله، وستظل شاهدة للأجيال القادمة وستكبر كل عام عن العام الذي سبقه، ولو كره المبغضون والمرجفون الذين يتطاولون على الإسلام والنبي الكريم.
ولغرس القيم الإسلامية ومحبة الرسول الأعظم في نفوس الأجيال والشعوب العربية والإسلامية بل والعالم، وجّه الشعب اليمني رسائل متعددة من خلال احتفالاته بذكرى المولد النبوي الشريف، جدد فيها العهد بالالتزام بكتاب الله وسنة رسوله والوفاء والإسناد للشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة.
وتميّز شعبنا بإحيائه لهذه المناسبة بشكل كبير، وبأنشطة متنوعة وفعاليات مركزية، وتصدر الشعوب الإسلامية في مدى اهتمامه بهذه المناسبة وابتهاجه بها وطريقة إحيائه لها، وهذا ليس غريباً على هذا الشعب الذي يجسّد إيمانه برسول الله والتزامه بالجوانب العملية والاقتداء والاهتمام، كما يجسد ذلك بالتوقير والتعظيم لرسول الله كما كان آباؤهم وأجدادهم الأنصار، الذين نصروا رسول الله وآووه في صدر الإسلام وحملوا رايته.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث والخبير الاقتصادي والسياسي رشيد الحداد إن الشعب اليمني نفّذ خروجًا عظيمًا مشرفًا بحشودٍ مليونية لا نظير لها في العالم كله، ويدل ذلك على أن شعب القرآن قد عرف الطريق ومصادر الانتصار، مؤكّدًا أن رسالة تلك الحشود تدل على إعلان التولي لرسول الله بعد التولي لله تبارك وتعالى، وأنها مصداقٌ لقول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وآله-: “إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن”، وقوله: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
ويضيف: “ما رأينا من حضور لافت واستجابة كبيرة للسيد القائد -يحفظه الله- هذا العام يدل على أن الوعي يتنامى من عام إلى آخر مقارنة باحتفالات الأعوام الماضية، وهذا دليل على أن شعبنا هو معدن الإيمان الحقيقي الذي جاء به المصطفى”، مؤكّدًا أن “إحياء المناسبة يعد تجديدًا للارتباط بالنبي محمد، وموقفًا علنيًا واسعًا لرفض الإساءات المتكررة للقرآن الكريم والرسول الكريم محمد، واستفتاءً شعبيًا على خيار النصرة لفلسطين وغزة، ومنطلق الفعل الجهادي في زمن الصمت العربي المخزي”.
وعن رسالة الخروج المليوني المشرف وغير المسبوق للشعب اليمني في ذكرى المولد النبوي 1447هـ، يؤكّد الحداد أن “مناسبة ذكرى المولد النبوي والخروج المشرف للشعب غير المسبوق يحملان رسالة واضحة للعالم ولليهود والأعداء، تؤكّد مدى الصلة الوثيقة بين اليمنيين والنبي الخاتم -صلوات الله عليه وعلى آله- وعلاقة اليمنيين برسالة الإسلام والشريعة المحمدية في زمن نرى فيه الانحراف والتحريف سيد الموقف، خاصّة في البلدان التي تدّعي حماية ورعاية المقدسات الإسلامية، خصوصًا أن الأمة الإسلامية أصبحت متفرقة ولا تجرؤ على مناصرة المظلومين في غزة بسبب هيمنة الطائفية الدينية والسياسية”، مبينًا أن “الأُمَّــة الإسلامية لا يمكن أن تستعيد دورها الريادي في العالم، وحريتها وكرامتها، وأن تتحرّر من كُـلّ أشكال التبعية والهيمنة، إلا من خلال استعادة علاقتها بالرسول والقرآن والعودة الصادقة إلى القرآن، وتعزيز ارتباطها بهما، خُصُوصاً وأن الأُمَّــة تواجه الخطر الكبير في التبعية لأعداء الإسلام”.
إدانةُ الإساءَات المتكرّرة:
وحول رسائل ودلالات إحياء مناسبة ذكرى مولد النور المصطفى محمد -عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم-، يقول الصحفي والناشط السياسي يحيى الشرفي إن الحشود المليونية رسالة واضحة سبق وأن أكد عليها السيد القائد عبدالملك الحوثي، بأن الخروج المشرف والمليوني يدل على ثبات الشعب اليمني في تمسكه بقضايا أمته الكبرى.
ويوضح في تصريح خاص لـ”المسيرة نت” أن “التمسك أكثر بالنبي محمد ما هو إلا تعبير صريح عن رفض كل أشكال تشويه الإسلام من التعدي على قدسية المصحف الشريف في بعض الدول الأوروبية والغربية كما حصل مؤخراً في أمريكا، وإدانة الإساءات المتكررة، إلى ظهور مندسين على الدين الإسلامي يدّعون زيفاً أنهم علماء، وهم بعيدون كل البعد ليقدموا دين الإسلام بطريقة مشوهة وقبيحة؛ بهدف نقل صورة سيئة عن الإسلام لدى شعوب الدول غير الإسلامية، ولزعزعة ثقة المسلمين بدينهم ونبيهم، ودفع الشباب فيهم إلى التخلي عن الإسلام وإنكاره، والتحول إلى اعتناق المسيحية، أو إنكار الأديان جميعها كما نرى اليوم، ووصولاً إلى تلميع التطبيع مع العدو الصهيوني”.
ويواصل: “لهذا نلاحظ أن تقديم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- للعالم قد شُوّه بفعل الجماعات الوهابية والمتطرفة التي يدعمها الغرب ويقدمها بأنها النموذج الذي يقدم الإسلام، فانتشرت الثقافات المغلوطة واكتسحت العالم بفعل النفط والمال والترويج لهذه الجماعات التي تقدم الإسلام بشكل هزيل أو بلباس يسيء للإسلام ويضرب عظمة الإسلام في قلوب أتباعه قبل أعدائه، وأمام هذا الاستهداف الممنهج كان لزاماً على أبناء الأمة المتمسكين بهذا النبي حقيقة أن يقدموا النموذج الرائع والراقي والقوي عن الرسول والرسالة”.
ووفق الناشط السياسي الشرفي، فإنَّ “مناسبة المولد النبوي الشريف والخروج المشرف له رسالةٌ ودلالةٌ أساسيةٌ تؤكّدُ أن كُلّ محاولات الأعداء في ثني الشعب اليمني وحَرْفِه عن مبادئه وأخلاقه وقِيَمِه الإيمانية التي شهد له بها النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قد فشلت جميعُها، بل إنها لا تزيدُ اليمنيين إلا ثباتاً أكثرَ على دينهم ومبادئهم، وهذا الخروج الهائل هو أكبر استفتاء على أن الشعب اليمني الذي خرج بهذه الحشود الهائلة متمسك بكتاب الله ورسوله وبالقضية المركزية فلسطين.”
ثورةٌ مُستمرّةٌ ضد أعداء الله ورسوله:
من جانبه، يقول الناشط السياسي والحقوقي سند الصيادي إن الحشود الشعبية المهيبة المحتفلة بذكرى مولد النور المحمدي -صلوات الله عليه وعلى آله- هذا العام أبهرت العالم الذي يراقب عن كثب تصاعد الحشود الشعبية في اليمن مع كل مناسبة؛ وهو ما يعني أن كل مخططات الأعداء على اختلاف أشكالها العسكرية والدينية والثقافية والسياسية منيت بالفشل الذريع، وأن الإيمان والحكمة في اليمن ينتصران مجددًا، وكذلك الوعي الشعبي في حالة ثورة مستمرة ضد أعداء الله ورسوله.
ويؤكد الصيادي في تصريح خاص لـ”المسيرة” أن “إحياء مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف رسالة لكل العالم وشعوب الأمة العربية والإسلامية، بأن الشعب اليمني يعرف معنى الاصطفاف خلف الرسول الأعظم، وإعلاء ذكره واللجوء إلى الله ورسوله في كل الأحوال، ناهيك عن الحاجة الملحة إليه في مثل هذه الظروف والأوضاع التي تمر بها البلاد والأمة جمعاء”، موضحًا أن “الاحتفال بهذه المناسبة يمثل استجلابًا لكل عناصر القوة في ميدان المواجهة مع الأعداء”.
وتحت هذه المعطيات، وفق الصيادي، كانت الرسائل التي صدّرها اليمنيون في ذكرى المولد الشريف إلى العالم متعددة وواضحة، يفهمها العدو جيدًا، وبموجبها يعيد تقييم ومراجعة سياساته على المستوى الإسلامي عمومًا. على الأعداء أن يكفوا عن جرائم الإبادة في غزة وعن الإساءة للقرآن الكريم والرسول محمد بعد قراءة هذا المشهد اليمني الذي تكفل به اليمنيون بالنيابة عن شعوب الأمة الإسلامية التي تعيش تحت وطأة أنظمة الخيانة والارتهان، منوهًا إلى أنها رسالة متعددة العناوين في مواجهة الإساءات للدين الإسلامي ومواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة واليمن، وأن عليهم أن يتقوا غضب هذا الشعب الذي لن يفرط بهُــوِيَّته الدينية والإيمَـانية ولا بأرضه وسيادته واستقلاله، وهو على استعداد أن يقدم جُلَّ التضحيات في سبيل ذلك.
“عباس القاعدي”