4 معاییر حديثة قد تثير أزمة في المجتمع السعودي

مقالات | 4 سبتمبر | مأرب برس :

يمكن تسمية النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين بعهد التغيير في السعودية، فالتغييرات ستظهر في هذا البلد الواحد تلو الآخر، وبتأمل السعودية سیمكننا القول أن النصف الثاني من القرن الجاري سيكون مختلفا كثيرا عن أيامنا هذه.

وفي هذا المجال هناك 4 تغييرات رئيسية في المجتمع السعودي هي الأشد تأثيرا، وبالنظر الى كونها أركانا رئيسية، تم وصفها بالمعايير الأربعة الحديثة في المجتمع السعودي، وإن لهذه المعايير الأربعة بحد ذاتها الطاقة الكامنة لاثارة ازمة في الرياض، وهذا ما سنتطرق إليه أدناه:

1- يمكن اعتبار أن المجتمع السعودي يمضي نحو الحداثة ولكن من منطلق تعريب معايير الحداثة. إن الجيل الجديد يملك معرفة جيدة بوسائل التواصل الاجتماعي العالمية ويعرف العالم، ولا يستسيغ قوانين البادية السائدة في السعودية، ولا يقبل بها بسهولة. وتفضل أغلب نساء الجيل السعودي الجديد الهجرة الى البلدان الغربية بدلا من الرضوخ لقوانين البادية التي تحكم مجتمعهن، فيما يدرس أغلب الشباب السعوديين في الجامعات الغربية. رغم ذلك يجب الالتفات الى أن الوهابية ما تزال تحكم البلاد، بوصفها الإيديولوجية الدينية السائدة في المجتمع السعودي؛ وفي الحقيقة إن موجة الحداثة في السعودية اليوم مبنية على أصول الوهابية. ولكن الصفات الرئيسية للوهابية مثل الشمولية والتحجر، هي أمور لن تتسم بالكثير من المرونة مقابل الفكر العربي الحديث، وهذا عنصر تهديد للأطر المبدئية للوهابية.

2- تربى اولاد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الكبار في ظل العوز، العنف والفقر وهي من الميزات الكلاسيكية للمجتمع العربي، وترعرعوا على ذلك، أما أبنائه الأصغر سنا فإنهم تربوا في ظل الرفاهية والثروة إثر تدفق الدولارات النفطية، فعاشوا في ظروف تختلف تماما عما عاشه اخوتهم الاكبر منهم، ورغم ذلك، فإن الالتزام بالقيم القبلية العربية يعد من القواسم المشتركة بين هؤلاء وأولئك. أما دائرة صناع القرار الحالية فإنها على معرفة تامة بثقافة الحياة الغربية ونوع الحياة هناك على العكس من الجيلين السابقين، كما لا يؤمن هؤلاء بالقيم القبلية ويحاولون الاستعانة بنمط ثقافي بديل في المجتمع السعودي.

3- يحكم المجتمع السعودي نظامان متوازيان هما النظام السياسي والنظام الديني، حيث يسيطر آل سعود على النظام السياسي بالكامل، فيما يسيطر شيوخ الوهابية على النظام الديني. إن لهذين النظامين المتوازيين مواقف متقاربة تجاه أغلب الأمور، من السياسة الداخلية المغلقة الى السياسة الدولية المحافظة. ولكن مع تولي الجيل الجديد للسلطة، ستؤدي ميول هذا الجيل على صعيد السياسة الداخلية والدولية الى حصول صدع بين النظامين الحاكمين للمجتمع السعودي. ولا يقتصر تغيير المقاربة على محمد بن سلمان، إذ أن محمد بن نايف هو الآخر من الداعمين الرئيسيين لتغيير السياسات السعودية المحافظة والانتقال الى سياسات التدخل من أجل المحافظة على احترام المنطقة للرياض.

وعلى الجانب الآخر يفضل النظام الديني السعودي سياسة محافظة بالكامل، حيث أن شعبية تنظيم القاعدة ازدادت وفكره انتشر خلال القرن الماضي، فأصبح الوهابيون يرون أنفسهم في خطر خلال مواجهة مع فكر بديل، ومن هذا المنطلق يتبعون سياسة معتدلة، فمن جهة يحاولون أن يحافظوا على موقعهم الحالي، ومن جهة أخرى يحاولون تصوير أنفسهم على أنهم ضد العنف.

بالإضافة الى ذلك، فإن الجيل الثالث من صناع القرار السعودي، يخططون لمنح المزيد من الحريات المدينة في المجمع السعودي، وهذا الأمر يتناقض تماما مع مصالح شيوخ الوهابية.  ويجب ألا ننسى أن عبد العزيز آل سعود قد وضع أسس الحكومة السعودية على الوهابية التي أصبحت ذراعا لتبرير سياسات آل سعود. الحقيقة هي أن آل سعود يستطيعون حكم السعودية ما داموا يستغلون الوهابية على أكبر وجه ممكن، وبخلاف ذلك سينزع منهم السلاح الفكري.

4- كانت السعودية ولا زالت تدعي أنها الأخت الكبرى للعرب وزعيمة العالم السني. وهذا هو الدور الذي يرى السعوديون أنهم يلعبونه ويحاولون تعزيزه، بل أنهم يضعون خططهم الاستراتيجية من هذا المنطلق. وتملك السعودية بصورة ذاتية معاييرا إيجابية في هذا المسار، بالنظر الى الإشراف على الحرمين الشريفين، وقوعها في أرض الوحي، الموقع الاستراتيجي الجغرافي الذي تتمتع به بالإضافة الى الثروة الناجمة عن الدولارات النفطية. ولكن لعب هذا الدور يحتاج الى معايير أخرى أيضا، وهذا ما سنشير إليه.

تقود السعودية أحد طيفي السيطرة في الشرق الأوسط، ولكن صناع قرار الجيل الثالث لا يملكون القدرة على جمع العرب وأهل السنة في بلدان مثل مصر، تركيا، باكستان والعراق تحت لواء الخطاب السعودي، حيث أن قراراتهم الناجمة عن الحماس والاندفاع، أدت الى تراجع سيطرة السعودية على البلدان الأخرى من مستوى السلطة الى مستوى النفوذ. في باب السلطة، استغلت السعودية الفكر والعقائد التقليدية في المجتمعات العربية غير المجاورة لها لتحقق سلطة تقليدية، وبالاعتماد على جاذبية القائد، حققت “سلطة الشخصية الملهمة” مقابل المجتمعات المجاورة لها.

إن التطورات السياسية والاجتماعية في البلدان العربية خلال السنوات الماضية وتغير نوع الفكر السائد في تلك المجتمعات قد تجاوز النمط الفكري السعودي، وعدم تطوير السعودية لهذا النمط وفقا لمتطلبات الحقائق القائمة أدى الى خسارة الرياض سلطتها التقليدية. أما في مجال “سلطة الشخصية الملهمة” فقد كانت خطة محمد بن سلمان ومحمد بن نايف للتدخل في اليمن من أسباب فشل هذه السلطة في البلدان المجاورة، وبتدخلهما غير المحسوب في العراق وسوريا والاصرار على المواقف العدائية من دون الالتفات الى المصالح الوطنية، قام الاثنين بكسر سلطة الشخصية السعودية الملهمة، على مستوى المنطقة. وترى نظريات العلاقات الدولية أن القوة التي تفقد سلطتها، تجبر على استخدام نفوذها ضد البلدان التي كانت خاضعة لسلطتها في السابق. وتعد عقود الأسلحة السعودية الضخمة والمواقف العدائية السعودية مقابل صديقتها القديمة قطر، نموذجا لنتائج انكسار السلطة السعودية في المنطقة وتحول الرياض الى استخدام النفوذ.

*الوقت .

مقالات ذات صلة