يقظة أمنية تُسقط الأوهام الصهيونية السعودية

|| مأرب نت || 19 جمادى الأولى 1447هـ

 

في إنجاز أمني نوعي شكّل ضربة موجعة في عمق التحركات المعادية التي تستهدف استقرار اليمن وموقفها الصلب المساند للقضية الفلسطينية، أعلنت وزارة الداخلية، السبت، عن تفكيك شبكة تجسسية تتبع غرفة عمليات مشتركة بين الأضلاع الرئيسية لمنظومة العدوان الإقليمي والدولي: (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA، الموساد التابع للكيان الإسرائيلي، والمخابرات السعودية). وقد أكد البيان أن هذا الوكر التجسسي المشترك كان يتخذ من الأراضي السعودية مقراً له، ليصبح منطلقاً لأعمال التخريب والتجسس ضد اليمن.
إن الكشف عن هذه العملية، التي حملت اسم “ومكرُ أولئكَ هو يبور” جاء كثمرة لجهود دقيقة من التحري والرصد والمتابعة، والتي كشفت عن أساليب عمل تلك العناصر الخائنة وارتباطاتها المباشرة بأجندات العدو. كما كشفت اعترافاتُ العناصر عن الخلفيات الأساسية لتصعيد هذا النوع من العمليات القذرة.

تنسيق ثلاثي للعدوان

 

كشفت الشبكة التجسسية عن بنية استخباراتية ديناميكية ومعقدة، لا سيما وأن الغرفة المشتركة المؤلفة من ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين قد باشرت أعمالها من الأراضي السعودية بهدف تنسيق جهود التخريب والتجسس ضد اليمن، بعد أن تحولت المملكة السعودية إلى بؤرة للمؤامرات الصهيونية.
ولم يكن هذا التنسيق الثلاثي محض تعاون عابر، بل هو شراكة استراتيجية تهدف إلى توحيد القدرات التكنولوجية الأمريكية، والخبرة الأمنية التجسسية للموساد الإسرائيلي، والغطاء الجغرافي واللوجستي الذي توفره المخابرات السعودية. وفي هذا الإطار، تمحور عمل الغرفة حول تشكيل خلايا تجسسية متعددة تعمل بشكل منفصل، لكنها ترتبط جميعها -مركزياً- بغرفة عمليات العدو المشتركة. وقد جرى تسليم هذه الخلايا أجهزة ووسائل تجسس متطورة، وأُخضعت عناصرها لعمليات استقطاب مركزة وغاية في الاستدراج وغسل الدماغ، ثم تدريب مكثف على أيدي ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين في الرياض، تركز على استخدام أجهزة التجسس وكتابة التقارير ورفع الإحداثيات بدقة عالية.

شراكة في سفك دماء المدنيين

 

كشفت اعترافات عناصر الخلايا بوضوح صريح عن تورطها المباشر في سفك دماء المدنيين اليمنيين الأبرياء. لقد أقرّت هذه العناصر العميلة بأنها زودت العدو بـالإحداثيات والمعلومات الدقيقة التي استهدفت منازل ومساكن المدنيين، والأسواق، والأماكن العامة المكتظة، علاوة على عمليات رصد حساسة لمقار حيوية وتحركات لقيادات وشخصيات وطنية تعرضت لاحقاً لقصف أمريكي إسرائيلي خلال معركة إسناد غزة. كما تجاوزت أهداف هذا المخطط الخبيث البعد العسكري البحت، إذ امتدت لتشمل تمكين العدو من استهداف متعمد لمنشآت خدمية واقتصادية حيوية، لتحقيق هدفين مزدوجين: أولهما إلحاق الضرر الفادح بمصالح الشعب اليمني الحياتية وممارسة التضييق الاقتصادي والمعيشي الخانق عليه، وثانيهما محاولة يائسة لخلخلة المسار العام لإدارة البلاد عبر استهداف الرموز والقيادات، في سعي مكشوف لكسر الإرادة اليمنية في الدفاع عن سيادتها، ما يؤكد أن العدوان يسعى بشكل سافر إلى تقويض وتصفية أي قوة مقاومة تهدد مصالح الكيان الإسرائيلي.
ويكشف هذا المسلك الإجرامي الخسيس عن حقيقة فظاعة التمكن الاستخباراتي الصهيو-أمريكي الذي نجح في غرس قناعات فاسدة ومجردة من الإنسانية في عقول ووعي عناصر هذه الشبكة، محولاً إياهم إلى “روبوتات بشرية” مجردة من الضمير، ليصبحوا شركاء أساسيين ومنفذين فعليين لأجندات ومخططات هذا العدوان المباشر.

أساليب التجنيد

 

اعترافات أعضاء الشبكة التجسسية كشفت عن تفاصيل دقيقة لأنشطة الخلية وبالشكل الذي يعكس مدى التنظيم والهيكلية المتقدمة للشبكة، التي اعتمدت على استقطاب عناصر يمنية وإكسابهم الخبرات الميدانية، وتمويلهم ماديا، وتزويدهم بالأجهزة والتقنيات المتطورة والحديثة، إضافة إلى تنفيذ مئات المهمات الميدانية داخل اليمن، من رصد ميداني لمقار حساسة وشخصيات قيادية في مختلف التخصصات.
تضمنت اعترافات الخلية جانبا من آليات العدو في استقطاب الخلايا وكيفية التواصل معهم، وتطوير برامج وتطبيقات ووسائل اتصالات خاصة ومشفرة تضمن الاتصال بين العناصر ومشغليها في الرياض. كما تضمنت الاعترافات الأساليب التي اعتمدتها الخلية في التمويه على أعمالها تحت غطاء “إنساني”، وتنسيق آليات اللقاء وتبادل البيانات.
واعترف الجاسوس بشير علي مهدي بأنه تم استقطابه للعمل ضمن الخلية عبر مرحلتين: بداية في الجانب الاجتماعي والثقافي من خلال «منظمة قدرة للتنمية المستدامة» والالتحاق بمنظمة «دار السلام» في عامي 2018–2019، المتخصصة في الجانب العسكري، كما أقر بأنه سافر  إلى القاهرة في عام 2023، حيث التقى بـ«بريبرا كاتيلدي»، وعرضت عليه العمل في الجانب الاستخباراتي، مؤكدة أنها تعمل على تنفيذ عملية واسعة في اليمن على الصعيدين العسكري والاقتصادي والسياسي.

تفاصيل المخططات التآمرية

 

عناصر الخلية التجسسية كشفوا تفاصيل دقيقة عن أنشطتهم الموجهة ضد اليمن، والتي نفذوها بتوجيه وإشراف ضباط من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية. ووفق اعترافات المتورطين، فقد نفذ الجواسيس جملة من المهام العدائية بعد سلسلة تدريبات محلية وإقليمية امتدت بين عامي 2018 و2019، شملت دورات في الرصد والمتابعة والتقييم، ودورات تدريب المدربين لتعزيز التماسك الاجتماعي، واكتساب مهارات تنفيذ المشاريع بغطاء تنموي وإنساني زائف، ما أتاح تمرير أهداف خفية عبر تنفيذ المهام الميدانية.
وأكد المتورطون أنهم تلقوا أجهزة ووسائل تجسس متنوعة، من بينها ريموت سيارات مزود بكاميرات للتصوير، وأجهزة لسحب شبكات الإنترنت والبلوتوث، وحواسيب محمولة، بالإضافة إلى برامج البث المباشر على الهواتف الذكية، وأجهزة تحديد المواقع لربط الكاميرات والمودم بالهواتف لنقل البيانات مباشرة للضباط المشرفين.
كما تلقوا تدريبات على تشغيل هذه الأجهزة، ورفع الإحداثيات، وإعداد التقارير المصورة، وطرق التمويه والتخفّي لتجنب كشفهم.
وجاءت مهام المتورطين مركزة على جمع معلومات مفصلة عن المباني والمقار، شملت تحديد عدد الأدوار، المداخل، المخارج، كاميرات المراقبة، نقاط الحراسة، ونوع النشاط داخل المبنى سواء كان تجاريًا أو سكنيًا، بالإضافة إلى رصد حركة القيادات العسكرية والمدنية ومقراتها، والمرافق العسكرية، والبحث عن مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الموجهة نحو فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى رصد ورش التصنيع والفنيين العاملين فيها، في محاولة أمريكية-إسرائيلية-سعودية لثني الموقف اليمني المناصر لفلسطين عبر استهداف قدرات القوات المسلحة اليمنية.

وبحسب الاعترافات، كانت الشبكة التجسسية تستخدم مشاريع تنموية لتجنيد عناصر وتنفيذ المهام دون لفت الانتباه، مع الالتزام بتعليمات صارمة بعدم الاتصال المباشر بالضباط، والاجتماع في أوقات محددة كل يومي الثلاثاء والخميس لضمان الأمن المعلوماتي.
كما أشار المتورطون إلى أنهم نفذوا مهام استطلاعية بالسيارات المزودة بالكاميرات، مستعينين بتطبيقات على الهواتف لتصوير المواقع وإرسال الصور والإحداثيات مباشرة، بما في ذلك تصوير المنشآت الحكومية، والشوارع، والسيارات المتواجدة، وعدد الأدوار والمداخل والمخارج.
وتضمنت الاعترافات العملَ على جمع معلومات حول القيادات السياسية والعسكرية والأمنية، مواقعهم، وأعمالهم اليومية، بالإضافة إلى جمع بيانات عن البنية العسكرية والأمنية، بما في ذلك القوة الصاروخية، الطيران المسير، ورش التصنيع، والفنيين العاملين فيها.
كما أكدت الشبكة أنها كانت تجمع معلومات عن المرافق الحيوية والمدنية والخدمية، وتمريرها للضباط لتنفيذ استهدافات من شأنها التأثير على الدولة والمدنيين والاقتصاد الوطني.
وأشار المتورطون إلى أن جميع المهام تمت تحت إشراف مباشر من ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين، مع استخدام أجهزة وبرامج متطورة للتحكم بالكاميرات، ومتابعة البث المباشر، ورفع الملفات عبر تطبيقات آمنة، وقياس الحركة اليومية للمستهدفين، مع تسجيل جميع المعلومات والصور وإرسالها بدقة للجهات المشرفة.

محاولة فاشلة لإيقاف إسناد غزة

 

يأتي هذا التصعيد في العمل التجسسي المشترك ليضع تأكيداً صارخاً على حقيقة أن القضية المركزية للأمة (فلسطين) هي المحور والمحرك الحقيقي لشهوة العدوان الصهيو-أمريكي. وعند وضع هذه الاعترافات الموثقة في سياقها السياسي الأنسب، يتضح أن الهدف الأساسي هو محاولة إيقاف الإسناد اليمني لغزة.
فقد كانت الطبيعة المركّزة لمحاولات التوصل لأكبر قدر من المعلومات عن البنية العسكرية الحساسة ومواقع إطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة – وفقاً لما أقرّت به الشبكة – هي المحرك الجوهري الذي يعكس رؤية العدو الإسرائيلي المجرم وشريكه الأمريكي لليمن كـ”جبهة تهديد لا يمكن السكوت عنها”. لا سيما وقد تزامن هذا التشكيل التجسسي مع تصاعد اللهجة العدوانية بتصريحات تؤكد ضرورة “شلّ حركة اليمن” بأي ثمن، ما دفعهم لاستخدام أسوأ أدوات العمالة والتجسس لزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي، في مسعى يائس لإنهاك الجبهة من الداخل.

يقظة أمنية

 

إن الكشف عن هذه الشبكة يؤكد اليقظة العالية والاحترافية المهنية التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية في مواجهة حرب الظل الشرسة. ويؤكد هذا الإنجاز أن الحس الأمني اليقظ والوعي الاستخباري الرفيع لأجهزتنا سيبقى المرجعية الثابتة لـتقييم وفضح وتحييد تحركات قوى العدوان الثلاثية وكافة المتربصين شراً باليمن ومواقفه المقاومة.

وفي الختام، فإن اعترافات عناصر الخلية التجسسية تبعث رسالة واضحة للشعب اليمني المجاهد تشدد على ضرورة الالتزام باليقظة، والتنبه لتحركات الأعداء التي تستهدف الجبهة الداخلية، مع التأكيد على الاستمرار في أداء الواجب الجهادي والجاهزية العالية لخدمة هذا الشعب، والوقوف المساند للمقاومة في غزة فلسطين المحتلة، وفي جنوب لبنان حتى يأتي النصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى