كيف يعود الاستعمار الاقتصادي.. ’أرامكو’ نموذجًا

مقالات | 17 اغسطس | مأرب برس :

أحمد فؤاد/ العهد الاخباري

لا ينكر عاقل أن الطاقة ومن ورائها الموارد الطبيعية حركت طوال القرون الأربعة الماضية الجيوش، وأن موقع الشرق الأوسط ومصادره البترولية غير المحدودة كانت انعكاسًا لشكل القوى المسيطرة على المسرح العالمي، فمن بريطانيا التي مثلت الاحتلال القديم، إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كان الشرق الأوسط مسرحًا مصغرًا للصراع العالمي كله.

الصين التي تنتظر هي الأخرى دورها في قيادة الاقتصاد العالمي قريبًا، تقف على أعتاب المنطقة فاعلًا بلطف –حتى اللحظة- وتدار آلتها الصناعية الهائلة بنفط الشرق الأوسط، حيث يمنحها الخليج، بما فيه العراق، نصف وارداتها الهائلة من البترول، أي نحو 5.5 مليون برميل يوميًا، وهو شريان حياة بالنسبة لها.

لكن هل تستوي أهمية المنطقة للعالم مع تأثير واضح في هذا العالم، الإجابة بالقطع كلا، فالخليج لم يكن أبدًا فاعلًا في علاقاته الدولية، والأخطر أنه يسبق الآخرين إلى حيث يريدون، وما قصة أرامكو المؤلمة إلا فصل في قصة تبعية كاملة، تتفنن العائلة المالكة في وضعها كرهينة لدى من يوفر الحماية الكاذبة.

الشركة النفطية الأكبر في العالم لم تعد الى حوزة المملكة إلا في العام 1980، وتتولى في الوقت الحالي إدارة احتياطي مؤكد من النفط الخام التقليدي والمكثفات يبلغ نحو 261.1 مليار برميل، فيما يبلغ متوسط الإنتاج اليومي من النفط الخام 10.2 مليون برميل في اليوم، وتشرف أيضاً على احتياطيات من الغاز الطبيعي تبلغ 297.6 تريليون قدم مكعبة قياسية.

الاستعمار القديم الذي كان يملك بشكل سافر تراجع من العالم كله، ليعود بلطف، ونستقبله بحفاوة، ونقدم له أغلى الأبناء على مذبح الرضا، وكأننا نقوم بخدمة أنفسنا، لكن واقعيًا، طرح الشركة الأضخم يعد تبديدًا للأصول الوطنية، والأغرب أنه بلا أي فائدة.

طرح أكبر شركات العالم للتداول في البورصات يعني ببساطة انتقال رأس المال العالمي من مرحلة حرب العصابات مع المملكة إلى مرحلة الهجوم الشامل واقتحام اقتصادنا، والأخطر أنه يفتح ثغرات ليؤطر حالة من التبعية الكاملة عليهم.

وتنبئنا الأرقام أن إيرادات أرامكو القياسية، والتي بلغت 478 مليار دولار في العام الماضي، رغم تراجع أسعار النفط، لا “تسيل لعاب أي أحد” من أجل صفقة بيع محدودة تقدر بـ200 مليار دولار فقط، أي أن الصفقة تمثل 5 أشهر فقط من الإيرادات.

التفسير الأقرب للحقائق وهي غير معلنة، والأرقام وهي كاشفة فاضحة، أن جناحًا داخ المملكة يقايض لإخضاع الشركة للغرب مقابل ثمن، والأهم أن إخضاع الشركة سيستتبعه إعادة تشكيل أوضاع الاقتصاد السعودي القائم إلى حال من التبعية الاقتصادية والاجتماعية، ويليه إجراءات تضمن الاستمرار في التبعية.

أرامكو لا تعاني من مشكلات أو أزمة، والاقتصاد كذلك لا يعاني إلا من سوء تصرف، لكن القائمين على الإدارة يعانون بكل تأكيد من خلل جلي واضح، من تمويل حملات عسكرية بدول الجوار، إلى صفقات سلاح مع الولايات المتحدة ستصدأ مثل غيرها، إلى سفه في العطايا، وغياب الاستثمار في المستقبل.

اقتصاد المملكة بشكل أشمل يعاني أزمة إدارة وأولويات، فالاقتصاد هو علم إدارة الموارد القليلة بما يضمن تحقيق أقصى استفادة، وموارد المملكة ليست قليلة، وهي الآن بأيدي أبنائها، فما الداعي لـ”هيستيريا البيع” التي تسيطر على ابن سلمان وحاشيته، إلا اندفاعًا نحو بيع المستقبل لقاء كرسي غير مضمون.

مقالات ذات صلة